في أي جدل أو تفاعلات تدور حول توطين الوظائف أو إيجاد فرص عمل للمواطنين العاطلين، وحتى في أي قضايا مجتمعية أخرى يطالب الكثيرون باتخاذ قرارات"حاسمة" و"حازمة" لحل هذه المشكلة أو تلك، ولكن الحقيقة هي أننا ربما لا نعاني نقصا ملحوظا في قرارات التوطين، ولكن ما نحتاج إليه حقيقة هو آليات التنفيذ الجدية اللازمة لضمان تنفيذ ما هو موجود وقائم من قرارات وتفعيلها لتحقيق الهدف المنشود منها. فمثلا، هناك قرار مجلس الوزراء القاضي بزيادة نسبة التوطين في قطاع التأمين بمعدل 5% سنوياً، وهذا القرار لا تعترف به معظم شركات التأمين حسبما أكد مدير هيئة "تنمية"! ورغم صراحة هذا الكلام وواقعيته فقد مر مرور الكرام، ولم يستوقف أحداً أن قرارات السلطة التنفيذية يضرب بها عرض الحائط من قبل جميع شركات قطاع التأمين عدا شركة واحدة أو شركتين التزمتا بتنفيذ القرار!.
أساس المسألة أن هناك ما يكفي من القرارات والتشريعات في معظم المجالات، ولكن القليل من هذه القرارات والتشريعات يمتلك "أنيابا" و"مخالب" حقيقية مستمدة من آليات التنفيذ، التي تترك في أغلب الأحوال إلى الجهة الرسمية المعنية بالتنفيذ، التي تقف بدورها عاجزة لسبب أو لآخر، وتتهم غالبا بالعجز والتقصير في أداء دورها، وبالتالي فإن هناك حلقة إدارية مفقودة تتسبب في عدم تنفيذ الكثير من القرارات الرسمية. البعض يرى أن الجهات الرسمية نفسها تضع الكثير من القرارات في "الثلاجة" وتجعلها حبيسة الأدراج ولا تخرجها إلا في توقيتات معينة لسبب أو لآخر، بينما يرى آخرون أن عدم الالتزام بالقرارات الصادرة عن جهات سيادية ناجم بالأساس عن غياب فكر "المتابعة" وعدم وجود حلقة وصل بين الجهة التي تصدر القرار من ناحية والجهة المعنية بتنفيذه من جهة ثانية. بينما يرى فريق ثالث أن المشكلة ناجمة عن غياب التنسيق بين وزارات ومؤسسات الدولة وحالة "الفصام الإداري" بين الكثير من هذه الوحدات بما يجعل "التغريد المنفرد" مسألة متكررة في الأداء الحكومي، ما يعطي الفرصة بالنهاية للشركات والقطاع الخاص للعب على هذه الثغرات والتناقضات واستغلال المساحات الفارغة للتملص من التزاماتها الواردة في قرارات التوطين أو غيرها. والمؤكد أنه لو كانت هناك خطط وإجراءات تفصيلية ملزمة تشارك في صياغتها الجهات المعنية جميعها لإلزام القطاع الخاص بتنفيذ قرارات التوطين لما كان هناك تجاهل لهذه القرارات، فالمفروض أن تتبلور علاقات طردية تربط صراحة بين الالتزام بهذه القرارات وحجم المزايا التي تحصل عليها الشركات التي تعمل في بيئة عمل مثالية خالية من أي نوع من الالتزامات الضرائبية التي تثقل كاهل نظيراتها في أي من دول العالم، بحيث تتناسب الرسوم التي يمكن تحصيلها من أي شركة طردياً مع معدل التزامها بتنفيذ سياسات الدولة، وبحيث يدفع المخالفون فاتورة موقفهم لصندوق خاص لمشروعات الشباب يمول ذاتياً من عائدات هذه الرسوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية