الأرقام هي كل حياتنا تحيط بنا, منغمسون بها لحد الثمالة. مناسباتنا أرقام, مصاريفنا دخولنا أيام العمل والإجازات... باختصار حياتنا كلها من المهد إلى اللحد ببساطة مجموعة أرقام. وحقيقة فإن الأرقام والإحصاءات تعكس صورة واقعية للمجتمعات. الدراسات بحاجة لأرقام والخطط المستقبلية تبنى على أرقام، الخطط الاستراتيجية تبنى على أرقام, والتنفيذ لا يكون إلا عبر أرقام وتكون نتيجتها أرقاما. وحقيقة تعكس الأرقام صورة الدولة أكثر مما تعكسها أي أداة بحثية أو إعلامية أخرى، لذا يقاس رقي الدول بمدى توفيرها للأرقام والإحصائيات, وكذلك توفيرها لمراكز استطلاع رأي نشط تعكس الأحداث أرقاما، وترسم صوراً لرغبات الشعوب بالنسب والأرقام.
كانت الحاجة للأرقام ضرورة لا ترفا مجتمعيا، فالإنسان, هو الرقم الأول في التنمية والمحصلة النهائية لخطط التنمية كان ولا يزال جوهر خطط التنمية ومنطلق منهجياتها، لذا كان الإلمام بكافة تفاصيل التركيبة السكانية باختلاف أعراقها وفئاتها العمرية إضافة إلى الإحاطة بكافة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ضرورة ملحة عن طريق التعدادات السكانية للسكان والمنشآت. وإن كان الإنسان الرقم الأول في التعدادات فإن المساكن والأعمال والخدمات المتصلة به لها تأثير على بيئته، وهي ترسم صورة كلية لمشهد المجتمع، ولذا كان إعلان معالي الشيخة لبنى القاسمي وزيرة الاقتصاد والتخطيط ببدء التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2005 باعتباره مشروعا وطنيا يتطلب تعاون الجميع لإنجاحه في أكبر عمل إحصائي تشهده الدولة والخامس في عمر الاتحاد. إن جمع ونشر المعلومات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للسكان بهدف توفير متطلبات دولة الإمارات في المرحلة القادمة واحتياجات المخططين والباحثين من البيانات الأساسية عن السكان والمساكن التي تتطلبها خطط التنمية ضرورة، كما أن التعداد يوفر إطارا حديثا لكافة الأبحاث الإحصائية المتخصصة التي تجرى بأسلوب العينة, مثل بحوث القوى العاملة, الإنفاق الاستهلاكي, الخصوبة, والوفيات، والهجرة والبيئة، وخصائص المسكن...الخ.
إن الأرقام والنسب مقياس علمي تعيه جيدا الشعوب المتحضرة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وبالأخص مراكز الأبحاث, لكن حملة التعداد العام للسكان المعلن عنها تحتاج لوقفه قبل البدء بها انطلاقا من أخطاء حملة التعداد العام للسكان السابقة والتي اعترتها عيوب وقصور انعكست في التشكيك في مصداقية مخرجاتها من أرقام وإحصاءات.
في البدء هناك حاجة لحملة إعلامية منظمه للتعريف بأهمية التعداد السكاني للدولة بكونه واجبا وطنيا بالدرجة الأولى، ثم التأكيد على مصداقية الأرقام التي تقدم للقائمين على الإحصاء, هذا فيما توازي الحملة الإعلامية التثقيفية عملية إعداد مكثفة للقائمين على التعداد من ناحية الاستمارات المعدة للتوزيع الجغرافي، فمعروف أن التعداد العام للسكان والمساكن هو أضخم عملية إحصائية تستلزم تعبئة موارد مالية وبشرية ضخمة لتوفير بيانات متنوعة ترصد لها ميزانيات ضخمة خاصة في مرحلتي تجميع وتحليل البيانات.
مجتمع الإمارات من المجتمعات التي تشهد تغييرا مستمرا في حجم وخصائص السكان، حسب ما جاء على لسان وزيرة الاقتصاد والتخطيط. فالنمو السكاني الكبير وما يترتب عليه من تغير في الخصائص السكانية ينعكس أول ما ينعكس على التركيبة السكانية لدولة الإمارات التي تعتبر من أهم القضايا المحورية والشائكة التي تواجهها الدولة والتي تؤثر على كافة الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وبدلا من أن نستقي بياناتنا كباحثين ودارسين من البنك الدولي, نستقيها من وزارة التخطيط والاقتصاد. نأمل بكل تأكيد أن ينجح التعداد السكاني العام, فبنجاحه تنجح الخطط التنموية والدراسات المستقبلية, ونأمل كذلك أن تنشر البيانات الأولية بكل شفافية. لن نصدم بالتأكيد ممن هول الأرقام خاصة الخلل في التركيبة السكانية، لكننا بانتظار الأرقام الديموغرافية التفصيلية حتى لا نتحدث من فراغ عند طرح القضايا ومعالجة المشكلات الاجتماعية. لن تكذب الأرقام إلا إذا أردنا لها أن تكذب، والأرقام, وحدها الأرقام، هي المبتدأ والمنتهى.