على حد وصفها هي, تتمتع ستيفاني كامبانا بأسنان مثالية, نظراً لاستقامتها ونصاعتها وخلوها من التسوس. وقد ظلت مصدر فخر لها عندما كانت طالبة في المرحلة الثانوية, فضلاً عما تحسه من ارتياح وعافية, كلما استمعت إلى زملائها وزميلاتها وهم يتبادلون قصص معاناتهم وعذاباتهم مع كرسي وجلسات طبيب الأسنان. ولكن سرعان ما يتبدد هذا الشعور بالارتياح والثقة المطلقة بالنفس, ما أن يصل الحديث عن صحة الأسنان, إلى ضرس العقل. فقد نما أول ضرس عقل لديها بسهولة ودون أدنى متاعب أو صعوبات, عندما كانت طالبة في المرحلة النهائية الجامعية. أما الثاني, فقد كان رحلة طويلة من الألم وأورام اللثة والعذاب المستمر لعدة أسابيع. ولدى مقابلتها طبيب الأسنان, أوصاها بأخذ صورة أشعة سينية, كشفت عن سن محبوسة داخل عظم الفك, هي التي تتسبب في إحداث التهابات حادة في اللثة المجاورة, حيث يبرز جزء صغير من سن, كانت تحاول شق طريقها إلى الخارج من عظم الفك. المهم أن القرار الذي توصل إليه الطبيب لدى معاينته للمشكلات التي تتسبب بها تلك السن, هو خلع ضرس العقل, الذي أصبح فيما بعد سُنة لمعظم أطباء وجراحي الأسنان.
ومنذ وقت ليس بالقريب, ظلت القناعة الراسخة لدى أطباء وجراحي الأسنان, أن ضرس العقل, أو ما يعرف علمياً بـ "الطاحن الثالث" هو ضرس زائد, عديم النفع, ويسبب من المتاعب والمشكلات, أكثر مما يفيد الناس. أما الترجمة العملية لهذه القناعة, فهي اتجاه غالبيتهم إلى خلعه على الفور, كإجراء احترازي وقائي, يرمى إلى تجنيب المريض, ما يسببه له من متاعب أكيدة. يجدر بالذكر أن عمر هذه القناعة والممارسة المرتبطة بها, يعود إلى 50 عاماً على الأقل.
لكن وعلى أية حال, فإن هناك دراسات وتطورات طبية حديثة, بات في وسعها مساعدة أطباء الأسنان في تحديد وتمييز حالات المرضى الشباب, الذين يتجه ضرس العقل عندهم إلى التسبب في المتاعب والمشكلات الصحية, وأولئك الذين يمكن تجنيبهم شر جراحة لا مبرر لها. كما تساعد الدراسات نفسها, في تحديد المدى الزمني الذي يبدأ فيه ضرس العقل التسبب في تلك المشكلات والأعراض الصحية المنسوبة إليه. إلى ذلك, فقد أصبح من المعلوم على مستوى الممارسة الجراحية, أنه يسهل خلع ضرس العقل دون مضاعفات صحية تذكر, حين يكون المريض قد بلغ أواخر المرحلة السابقة للعشرينيات, وفي بدايات العشرينيات. وعلى حد قول الدكتور ماثيو ميسينا – جراح الأسنان في مستشفى فيرفيو بولاية أوهايو, والمتحدث الرسمي باسم جمعية طب الأسنان الأميركية لضرس العقل- فقد أصبح كل شيء اليوم, خاضعاً للقياس وفقاً للمعايير والأعراض الشخصية الفردية للمريض. ولم يعد التعميم السابق المطبق على كافة مرضى ضرس العقل, ساري المفعول اليوم. وأوضح الجراح ماثيو أن ما يهتم أطباء وجراحو الأسنان بتقديره خلال معايناتهم الفردية للمرضى, هو مدى درجة عدم جدوى ضرس العقل لديهم, ومدى درجة الأذى المحتمل أن يسببه لهم؟ وفقاً لهذه المعايير, فإن عينة المتاعب والمضاعفات التي شكت منها الآنسة كامبانا أعلاه, هي بالتأكيد مما يرجح إجراء الخلع والإزالة الجراحية للضرس. والسبب البديهي بالطبع, هو أن الألم المصاحب للالتهابات التي سببها لها الضرس, قد أثر سلبا على صحتها العامة ككل.
ولكن هل تنتهي قصة ضرس العقل أو "الطاحن الثالث" عند هذا الحد؟ كلا. فالمعلوم أن ضرس العقل يسبب المتاعب للكثيرين, حتى في الحالات التي لا يكون فيها نموه مصحوباً بالالتهابات والآلام الحادة. ففي بعض الأحيان تكون المشكلات الناجمة عنه, مشكلة مساحة بالدرجة الأولى. ذلك إنه كثيراً جداً ما يزحم ويضايق الأسنان المجاورة له. كما يؤدي إلى الإخلال بتراص واستواء صفوف الأسنان, ومن ثم يعصف عند البعض, بجهود سنوات طويلة, أمضاها المرضى في عمليات تقويم أسنانهم. أما بالنسبة للمرضى الذين تصغر أفواههم نوعاً ما, فيصعب وصولهم إلى ضرس العقل, بفرشاة الأسنان وغيرها من الأدوات المستخدمة في التنظيف, الأمر الذي تنجم عنه إصابة السن بالتسوس والتآكل, بل والالتهابات واحتمال إصابة الأسنان المجاورة بالأذى أيضاً.
هذا وتعد العلاقة بين ضرس العقل وتآكل الأسنان الحاد, إلى جانب ما يسببه كل ذلك من أضرار بالأسنان المجاورة, جزءاً من آخر وأحدث النتائج التي توصلت إليها دراسة علمية مستمرة, تنهض بها جامعة كارولينا الشمالية. ويشرف الباحثون في كلية طب الأسنان التابعة لهذه الجامعة, على مراقبة 330 حالة تتراوح أعمار أفرادها بين 20-29 عاماً يتمتعون جميعهم بضرس عقل سليم, بغية تحديد ودراسة ما إذا كان لضرس العقل أو الطاحن الثالث, تأثير سلبي طفيف, على الجوانب الأخرى من صحة الفم.
وفي تصريح صحفي له, قال الدكتور رايموند بي. وايت, الذي يتولى إدارة البرنامج وقيادة الفريق العلمي المضطلع بالدراسة المشار إليها, إن أعضاء فريقه قد فوجئوا بالأضرار والتأثيرات السلبية المبكرة التي تسبب بها ضرس العقل في الأسنان المجاورة, في ثلث العينة التي تخضع للمراقبة العلمية والدراسة, مع ملاحظة أن أعمار ه