لا نحتاج إلى من يخبرنا بأن نسبة المواطنين إلى الأجانب في البلاد هي 15% أو 10% أو ستكون عام كذا 8% أو عام كذا 4%. فمن جولة واحدة في شوارعنا وأسواقنا ومراكزنا التجارية وحدائقنا العامة نستطيع أن نرى أن من بين 100 سائق وسائقة في ازدحام مروري هناك مواطن أو مواطنة فقط خلف المقود، ومن بين ألف متسوق ومتجول في مركز تجاري أو سوق عام هناك عشرة مواطنين ومواطنات لا غير ضمن المتجولين والمتسوقين، فالإناء بما فيه ينضح، وأقلية المواطن لا تحتاج إلى إحصاءات وأدلة، فالشوارع والأماكن العامة خير تعبير.
هذا ما يراه المواطنون أنفسهم ويشعرون به كل ساعة وكل يوم، المواطن يتناقص ويتلاشى وربما ينقرض قريباً ويصبح في ذمة التاريخ، والأخطر من ذلك أن المواطن الذي أصبح يجد منافسة حقيقية في طوابير البنوك والدوائر والشوارع وأماكن التسوق والنزهة، بات يشعر بالاضطهاد الحقيقي، وأن هذه البلاد لم تعد بلاده حقاً، بل إن هذا المواطن يتحول شيئاً فشيئاً، إن لم يكن قد تحول بعد، إلى مواطن عنصري رغماً عن أنفه، أي مواطن ينظر للأجانب بوصفهم سالبي بعض من حقوقه، في العمل والثروة وقضاء حاجاته اليومية، مما يفاقم شعوره المعادي تجاههم يوماً بعد آخر، وربما يعبر عن "عنصريته" هذه في المستقبل بأوجه مختلفة، بعد أن يكون قد طفح به الكيل من التعبير الصامت والسلبي أحياناً.
أكثر فأكثر، فإن المواطن اليوم يدفع به بعيداً عن أرضه وثروته وحقه في وطن ينعم فيه براحة البال والاطمئنان إلى المستقبل، فالأعمال جلها للأجانب، والأعمال سواء كانت وظيفة أم بيزنس، تعني في نهاية المطاف الثروة والدخل، وأكثر من ذلك، فإن الأجنبي، الذي تقدم على المواطن في نيل النصاب الأكبر من الأعمال والثروة، يتقدم اليوم في نيل ملكية العقار والأرض، فيما المواطن يبحث عن قطعة أرض يبني عليها مسكناً لائقاً أو عن شقة تستره مع عائلته أو عن وظيفة يعيش على ريعها أو عن عمل تجاري يقيه سوء ما تخبئه له الأيام، فلا يعود كل مرة سوى بخفي حنين.
هذا المواطن بات في حاجة حقيقية إلى حماية فعلية، وذلك ببرنامج وطني حقيقي يمكّنه في أرضه وثروته، نسميه برنامج التمكين الوطني، فإذا كان الانفتاح الاقتصادي اليوم، وغداً الانفتاح الحقوقي السياسي حسب مقتضيات الاقتصاد الحر، والاتفاقيات الدولية ورياح العولمة، تمكّن الأجنبي شيئاً فشيئاً من تملك الأسهم والحصص والشركات والملكية العقارية، بعد أن مكّنته في العمل والإقامة الدائمة وشبه الدائمة ومكّنته تبعاً لذلك في الثروة، فإن هذا الأجنبي سوف ينتهي به المطاف مواطناً فعلياً، على أرض الواقع، حتى وإن لم يكن يحمل جنسية الدولة، بما يملك من امتيازات وحقوق، فيما المواطن سوف ينتهي "أجنبياً" وإن حمل جنسية الدولة، بما لا يملك من ثروة وعمل وامتيازات وأرض.
الوطن ليس مجرد جنسية فقط، الوطن هو حقوق وواجبات، فإذا كان المواطن عليه واجبات المواطَنة من الدفاع عن تراب الوطن وحماية استقلاله والمشاركة في ازدهاره وتطوره وبنائه الاقتصادي والاجتماعي، فله حقوق العمل أيضاً والتملك والمسكن والضمان الاجتماعي الذي يحميه مستقبلاً، والعيش بشرف وكرامة وفي رخاء يليق به، وفي وطن يجعله في سلم الأولويات عملاً لا قولاً، عن طريق منحه الامتياز الأول في كل شيء، في العمل والسكن وتملك الأرض والأعمال وكل شيء آخر، لكي يشعر أنه في وطنه حقاً، لا في وطن لا يرتبط به في شيء سوى وثيقة الجنسية.
لذلك نستغرب تماماً قصص وجود عاطلين عن العمل من بين المواطنين، وكذلك نستغرب تماماً قصص الباحثين عن مأوى وسكن، وقصص من همشتهم الحياة ودفعتهم إلى حافة الفقر، وقصص من باعوا ما يملكون من أراضٍ وممتلكات ليواجهوا متطلبات الحياة، وغيرها من قصص تطفح صفحات صحفنا المحلية بأقل القليل منها، فيما الواقع يدوي بقصص أكثر مأساوية، لا تزال صحافتنا بعيدة عنها، من باب الستر زين، وزينة أيضاً. لا... الستر هنا يصبح جريمة تستر على القضاء على ما تبقى للمواطن من حول وقوة، وهو يواجه وحيداً طوفان التدفق الأجنبي، الذي بدأ بعمالة تبحث عن عمل، ثم صار عمالة تستوطن، واليوم يتحول إلى عمالة تمتلك وتثري وتبقى في البلاد كوطن ثانٍ لها إن لم يكن وطنا أولا.
ما العمل؟ هل نحتاج فعلاً إلى جمعية لحقوق الإنسان كما يسعى بعض أبناء البلد من مثقفيه ونخبه إلى إنشائها أم جمعية لحماية المواطنين؟ ميزان القوى مائل داخلياً وخارجياً لصالح الأجانب، سواء كان بقوة دفع الاقتصاد الحر ومنظريه الجدد، الذين غيبوا المصالح الوطنية، أم بفعل ضعف البرامج الحكومية والإرادة الحكومية لتمكين المواطن في أرضه وثروته، أم بفعل ما نتعرض له من ضغوط دولية في ثياب اقتصادية، كاتفاقيات التجارة الحرة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، أم بفعل "التسونامي" السياسي العالمي الخاص بحقوق الإنسان الذي يضرب أنحاء العالم ونحن جزء منه، وفي ظل هذا الميزان المائل، فإن جمعية لحقوق الإنسان سوف تنتهي حتماً وهي تدافع عن الأجانب.
ما العمل؟ لا إجابة محددة ع