أحداث كثيرة مرت على منطقة الخليج العربي، وأحداث أخرى لا تزال تواجهها المنطقة إما بصورة فردية أو جماعية، ولا حس ولا خبر لما يسمى مجلس التعاون الخليجي. فلا يوجد تصريح أو اجتماع أو حوار موسع لمناقشة هذه الأحداث، يترتب عليه دور أو موقف يحسب للمجلس، سواء كانت له نتائجه عميقة الأثر أو حتى (خفيفة) الأثر، وكأن ما يجري في المنطقة من أحداث صارخة يدور على كوكب آخر غير كوكب الأرض. لقد أصبح المجلس محايداً، لا يتأثر بأحداث المنطقة وقضاياها، ولا يسعى إلى أن يكون له دور في صياغة حلول ناجعة لها. وربما يكمن السبب وراء ذلك في اختلاف الأولويات، حيث توجد اهتمامات أخرى أكبر تأثيراً مما يحدث في المنطقة ويؤثر في أمن دولها القومي والإقليمي، مثل (شهور التسوق)، و(حلقات المسابقات)، و(برامج الترفيه)، والمعارك السياسية الوهمية، وحروب حقوق المرأة، وترصد البعض للبعض، إلى آخر هذه القائمة المطولة من الإشغالات المعروفة للجميع.
من المعروف أن دور أي منظمة إقليمية يقاس بمدى فاعليتها تجاه القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وقدرتها على تطوير العلاقات البينية بين دولها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ولا نريد أن نجعل من الاتحاد الأوروبي أو منظمات شرق آسيا أو حتى أفريقيا أمثلة، وكذلك لا نريد أيضاً أن نتذكر التجارب العربية الفاشلة والمأساوية في الوحدة والعمل العربي المشترك، وعلى رأسها المثل الحي (جامعة عمرو كوسة)، ولكن نريد أن يظل الزخم الذي بدأت به منظمة مجلس التعاون على وتيرته التي اتسم بها منذ قيامه في التفاعل مع القضايا الحيوية، ومحاولة علاج الانقسامات الداخلية، والتعبير بجرأة وشفافية عن طموح وتطلعات الجماهير الخليجية.
وإذا نحينا جانباً القضايا ذات الاهتمام الداخلي، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو حتى السياسية في دول مجلس التعاون، والتي يجري الحديث عنها في كل لقاء قمة أو اجتماع لوزراء دول المجلس أو لأمانته الموقرة، من دون تحقيق أية خطوات إيجابية أو عملية للتطوير أو طرح علاج ناجع لها وعدم تأجيلها، فإن هناك قضايا وأحداثاً ملحة كانت تحتاج إلى موقف جماعي فوري من دول المجلس، من أهمها على سبيل المثال: الوضع الأمني الإقليمي، والوضع في العراق، والتوجه النووي الإيراني، والعمليات الإرهابية في بعض دول المجلس، والإصلاح السياسي ومعركة الديمقراطية، والموقف من الضغط والتسلط الأميركي، ومعركة (مسح) العقول التي تشنها على العرب والمسلمين، ومحاولات المتطرفين اليهود للسيطرة على المسجد الأقصى وتدميره، وسوق النفط العالمي، ووضع اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك موضع التنفيذ.
من المؤكد أنها قضايا إقليمية مهمة وملحة وعاجلة، ولكن أين دور مجلس التعاون الخليجي ومواقفه منها؟ وإذا كان المجلس، لا قدر الله، قد فقد فاعليته وديناميته، فالأولى أن يتم فضه، أما إن كان حاله مثل حال (جمهورية الجامعة العربية العظمى)، فالأفضل الاعتراف بذلك و(كفى الخليجيين شر المجالس)، أما إن كان المجلس يمر بكبوة طالت نسبياً فنحن على استعداد لتحملها حتى يعود إلى كامل صحته ووعيه.
ولكن المأساة تكمن في أن القضايا والمتغيرات والأحداث لن تنتظر المجلس حتى يفرغ من أولوياته الأخرى واهتماماته الفرعية، ويشعر بما تؤثر به على الأمن القومي لمنطقة الخليج العربي، لذلك تبرز الأهمية الاستراتيجية لسرعة التعامل معها من خلال دور فاعل ومؤثر يمتلك زمام المبادرة والفعل.
فالوضع الأمني الإقليمي يفرض ضرورة تدخل المجلس لوضع الخطوات العملية والتفصيلية لتنفيذ (اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك)، ولكن مر أكثر من أربعة أعوام على التصديق على الاتفاقية ولم يحدث أي تقدم يذكر لتدخل حيز التنفيذ، من تشكيل للمجلس الأعلى للدفاع، واتفاق على الحد الأدنى من التهديدات التي تواجه دول مجلس التعاون ثم وضع استراتيجية عسكرية مشتركة لمواجهتها، ولا يكفي الوقوف عند حد إقامة منظومة إنذار وتعاون بين القوات المسلحة في دول المجلس، فالأمن الإقليمي قضية أكبر من منظومات التسليح وتكديس العتاد، وتحتاج إلى قدر كبير من التفاهم الاستراتيجي والتنسيق العسكري، وهو الدور الذي يجب أن يقوم به المجلس في أسرع وقت ممكن.
أما عن دور مجلس التعاون الخليجي تجاه الوضع في العراق وأحداثه المتلاحقة ومتغيراته، فحدث ولا حرج: تم الإعلان عن غزو العراق، ونحن (قاعدون)، تمت تحضيرات الغزو، ونحن منتظرون، وقع الغزو، ونحن مشاهدون، تم احتلال العراق واستباحة أرضه وأرواح مواطنيه وتعذيب معتقليه ونحن نشجب وندين، وانتشرت الفوضى وضاع الأمن والأمان داخل العراق، ونحن تائهون، ولا يزال مجلس التعاون يفكر ويفكر ويفكر وينتظر ويدين ويأمل، ولكن دون جدوى. لم يتخذ المجلس خطوات عملية أو واقعية لرأب الصف والمساعدة على الوحدة الوطنية للموزايك العراقي، أو على الأقل المساعدة على إعادة الأمن والاستقرار له، أو أضعف الإيمان إبداء الرأي واتخاذ موقف محدد وواضح يحسب لدول مجلس التعاون الخليجي يتذكره