شرويدر: عاش الفقر وتهدده البطالة ويريد "ألمانيا الجديدة"


 في ولاية ألمانية رئيسية ومهمة، هي الراين الشمالي ويستفاليا، تعرض المستشار الألماني جيرهارد شرويدر لضربة سياسية أخرى قوية بهزيمة حزبه في الانتخابات المحلية الجزئية التي جرت هناك الأحد الماضي، فبادر فيما يشبه "انتحارا خشية من الموت" إلى دعوة البرلمان من أجل التصويت بالثقة في حكومته، وذلك كخطوة أولى نحو إجراء انتخابات عامة في غضون الأشهر القادمة، وقال جيرهارد إن "هذه نتيجة مريرة، ومن مسؤوليتي وواجبي كمستشار لألمانيا أن أقنع الرئيس هورست كولر بالدعوة لإجراء انتخابات البرلمان – البوندستاغ- في أسرع وقت ممكن بحلول الخريف المقبل".


وتمثل خسارة "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الألماني بزعامة شرويدر في الراين الشمالي - ويستفاليا، انتكاسة للمستشار وحزبه لن يتمكنا من تجاوزها قريبا، فالراين الشمالي ويستفاليا التي خضعت لحكم الاشتراكيين 39 عاما، تعد بسكانها البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة أكبر الولايات الألمانية، كما أن ناتجها المحلي الإجمالي يفوق الناتج المحلي الإجمالي لروسيا مثلا أو البرازيل، إلى ذلك فهي أحد أهم المعاقل الصناعية في ألمانيا إذ اشتهرت بصناعاتها الفولاذية خاصة! وجاءت خسارة "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" في هذه الولاية لتكمل سلسلة طويلة من الإخفاقات الانتخابية التي مني بها الحزب خلال الأعوام السبعة الماضية، حيث تعرض لـ 11 انتكاسة انتخابية على المستوى المحلي منذ عام 1998، ففقد معظم مقاعده في المجلس الاتحادي "البوندسترات" الذي يبت في القرارات الحكومية والبرلمانية الخاصة بالولايات، ولم يبق له الآن إلا 15 من أصل 65 مقعدا في المجلس.


 أما الغالبية النيابية في البرلمان الاتحادي "البوندستاغ"، وهم ممثلو التحالف بين الاشتراكيين و"الخضر"، فهي مهددة بفعل انشقاق يتعرض له حزب شرويدر مع العلم بأن تحالفه كان لا يتفوق إلا بسبعة نواب فقط على المعارضة. ويبدو أن سكان الراين الشمالي قرروا معاقبة شرويدر بسبب سياساته الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى تفاقم البطالة، حيث يوجد 5 ملايين عاطل عن العمل في ألمانيا، لذلك ركزت الحملة الانتخابية لـ"الحزب الديمقراطي المسيحي" على قضية البطالة باعتبارها أساسية في تقرير مزاج الناخبين، وخسر حزب شرويدر 15% من أصوات العاطلين عن العمل والمتقاعدين ومتلقي المساعدات الاجتماعية! رغم ذلك يحاول جيرهارد شرويدر إرباك المعارضة وتحويل الانتخابات القادمة من "حزبية" إلى "شخصية"، إذ لا يتوفر خصومه على زعامة في مثل قامته! فهو أحد الساسة الألمان العصاميين الذين لم يتأثروا في تكوينهم بالأفكار النازية، وقد نال شهرة مبكرة رغم ظروف اليتم والفاقة التي عاش فيها، علاوة على أنه ينحدر من عائلة متواضعة.


توفي والده في الحرب العالمية الثانية عندما كان عمره 7 أشهر فقط، ونقل عنه قبل سنوات، وهو لم يرزق بأولاد حتى اليوم، قوله: "قد يقول علماء النفس إن من يكبر من دون أن يعرف والده يواجه مشاكل عاطفية، ولكن لم يكن الوضع كذلك بالنسبة لي"؛ ربما لأنه كان مشغولا بمساعدة والدته أريكا في إعالة أسرة من ستة أشخاص. وعندما انتقل رفاقه في الفصل الدراسي إلى المرحلة الثانوية عجز هو عن تأمين مصاريف المرحلة الجديدة، فحاول الانخراط في تجارة التجزئة، ثم التحق بتعليم الكبار واجتاز امتحان الثانوية العامة، وأمّن مصاريف دراسة القانون في الجامعة من عمله في ورشة.


خبِر جيرهارد شرويدر عالم السياسة مبكرا، وكانت البداية بانضمامه إلى "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" عام 1963، وبرز في سبعينيات القرن الماضي بعد اختياره، خلال رئاسة فيبر براند للحزب كمسؤول عن قطاع "الشباب الاشتراكي" (جيوس)، وأثناء النقاشات الموسعة حول "مجتمع العدل"، وفي الجدل حول استخدامات الصاروخ الأوروبي "أوروميسيل". وبعد أن صعد جيرهارد شرويدر إلى عضوية المكتب السياسي للحزب عام 1978، انتخب في عام 1980 نائبا عن منطقة لاندباس ساكس، وبعد نيله التجديد في عضوية البرلمان (البوندستاغ) عام 1986 قاد الفريق البرلماني لحزبه، وإثر فوز الحزب في الانتخابات المحلية عام 1990 أصبح جيرهارد شرويدر رئيس حكومة ولاية لاندباس التي صوت سكانها لإنجازاته، وعلى رأسها حماية الوظائف، وتحجيم البيروقراطية الوزارية، ومحاربة الجريمة، مما زاد حظوظه لينتخب في 27 أكتوبر 1998، كسابع مستشار لجمهورية ألمانيا الفيدرالية، ولينتخب أيضا في 12 إبريل 1999 رئيسا للحزب الاشتراكي الديمقراطي. وإن تجاوزت ألمانيا خلال السنوات الثلاث الأولى من عهده متاعب اقتصادها المزمنة، وهو الأكبر على مستوى الاتحاد الأوروبي، فإنه خلال السنتين الأخيرتين عانى من تباطؤ ملحوظ تمثل في نمو لم يتجاوز 1.2%، عدا عن زيادة البطالة إلى 9.3% والتضخم إلى نحو 4.6%.


بيد أنه على مستوى السياسة الخارجية، قدم جيرهارد شرويدر صورة جديدة لألمانيا وقد أخذت