كلمة واحدة لا أكثر: أغلقوا ذلك المعسكر المخصص لسجناء الحروب في خليج جوانتانامو. فقد تحول هذا المعسكر, إلى ما هو أسوأ من مجرد حرج سياسي وعسكري. وإنني لعلى يقين من أن المزيد والمزيد من الأميركيين سيلقون حتفهم جراء الإبقاء على ذلك السجن مفتوحاً. حقناً لدماء الأميركيين وحرصاً عليها, فإني أدعوك سيدي الرئيس بوش, لإغلاق ذلك السجن فوراً. وإن كان لك أن ترى بعينيك, كم أصبح هذا السجن سبة في جبين الولايات المتحدة ولطخة لسمعتها في الخارج, فما عليك إلا مطالعة الصحف الصادرة في البلدان العربية. وماذا أنت فاعل لدى قراءتك الصحف الأفغانية؟ ولك أن تلقي نظرة على ما يصدر في العاصمة البريطانية لندن, أو زيارة المواقع الإلكترونية للصحف البريطانية على الشبكة الدولية. عندها تستطيع أن تدرك ما يقوله أقرب وأوثق حلفائنا عن ذلك السجن. وما أن تفرغ من قراءة ما يكتب هنا, فلك أيضاً أن ترى ما يقال عن السجن نفسه, في الصحف الأسترالية والكندية والألمانية!
فكل ما يكتب هنا وهناك, ليس سوى تنويعات على تلك القصة التي كانت قد نشرتها صحيفة الـ"أوبزيرفر" اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 8 مايو الجاري, إذ جاء في بدايتها: كشف جندي أميركي تفاصيل مروعة عن إساءة معاملة الأسرى المحتجزين في سجن جوانتانامو وتعذيبهم جنسياً, وكانت تلك التفاصيل بمثابة أخطر معلومات من نوعها, تصدر من داخل السجن, ومن أعلى الدوائر السرية المسؤولة عنه!". أما لدى استعانتك بمحرك البحث الإلكتروني "جوجل" فتستطيع أن تقرأ في الموقع الخاص بإذاعة "إيه بي.سي." الأسترالية ما يلي: "لقد أثيرت مزاعم جديدة عن تعرض أسرى جوانتانامو للتعذيب من قبل سجانيهم. كما تقول المزاعم نفسها, إن من بين ضحايا تلك الممارسات, المواطنان الأستراليان ديفيد هكس ومحمود حبيب". وهكذا نشهد يوماً آخر من أيام الحديث عما يجري في سجن جوانتانامو.
فلماذا نهتم كل الاهتمام بما نسمع؟ ليس السبب هو شعوري بالغثيان إزاء الحرب على الإرهاب, بل بسبب رغبتي في الفوز بتلك الحرب. ولكن يبدو من الواضح جداً –سواء من خلال ما يكتب في صحيفة "نيويورك تايمز" التي أعمل فيها, أم من خلال ما يكتب في غيرها من الصحف- أن الزمام قد أفلت من يدنا, فيما يتصل بتسيير الحياة في سجن جوانتانامو وداخل المؤسسة العقابية الأميركية التي تتعامل مع قضايا الإرهاب.
وإن كنت ترى خلاف ذلك, فقل لي كيف لنا أن نفهم وفاة ما يزيد على 100 معتقل رهن الحبس الأميركي حتى الآن؟ هل نجمت تلك الحالات عن إصابات متكررة بالنوبة القلبية؟ إن تبريراً كهذا لا يفتقر إلى الأخلاق فحسب, وإنما يشكل خطورة استراتيجية كذلك.
وربما أستطيع أن أشرح هذه المشكلة على نحو أفضل عن طريق التشبيه والمماثلة. فقد ظللت أنادي لسنوات عديدة، بضرورة انسحاب إسرائيل من كل من قطاع غزة والضفة الغربية, إلى جانب انسحابها إلى ما وراء الجدار الأمني, أبعد ما يمكن الانسحاب. ولا تقوم دعوتي هذه على قناعتي بأن الفلسطينيين على الصواب والإسرائيليين على خطأ. بل تقوم هذه الدعوة على ملاحظة أن إسرائيل باتت محاصرة الآن من ثلاثة اتجاهات هي: أولاً, الانفجار السكاني الكبير الذي يعم الدول العربية قاطبة. ثانياً, انفجار أسوأ تبادل للعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين على امتداد تاريخ النزاع بين الطرفين, علماً بأن فتيل هذا العنف لم ينزع إلا بإعلان لوقف إطلاق النار بين الطرفين مؤخراً. ثالثاً وأخيراً, انفجار وسائل وقنوات "الملتميديا" العربية, الممتدة من شبكة الإنترنت وحتى قناة الجزيرة.
فالذي كان يحدث في قمة اشتعال الانتفاضة الفلسطينية, أن الانفجار الإعلامي العربي, كان يلتقط تلك الصور ويغذي بها موجة الانفجار السكاني التي تشهدها الدول العربية, بما يغرس في عقول الأجيال الشابة, فكرة أن عدوهم الثلاثي القائم هو "إسرائيل واليهود وأميركا". ولا شك أن هذا اتجاه خطير ومسموم, آمل أن يساعد الانسحاب الإسرائيلي المرتقب, في انحساره وتجفيف خلاياه من الأوكسجين.
وإني لعلى قناعة بأن لتلك القصص والتقارير الإخبارية التي تتسرب من داخل سجن جوانتانامو, التأثير المسموم نفسه على سمعة الولايات المتحدة, وإلهاب مشاعر العداء والكراهية ضدها, على امتداد العالم بأسره. ليس ذلك فحسب, بل تمثل تلك القصص والأخبار, مادة دعائية شديدة الإقناع والإغراء لتجنيد أولئك الذين يلحقون بنا الأذى, عبر شبكة الإنترنت. تأكيداً لهذه القناعة الشخصية, فقد لفت نظري المفكر الباكستاني حسين حقاني الذي يحاضر حالياً في جامعة بوسطن إلى "أنه ما أن يدعو أمثالنا إلى تبني وتمثل القيم الأميركية, باعتبارها نموذجاً يحتذى للحرية, حتى يقذفنا الكثيرون بنماذج جوانتانامو وأبوغريب في وجوهنا مباشرة! وما أن نتحدث عن أميركا جيفرسون وهاميلتون, حتى يرد علينا المواطنون الأميركيون في الداخل بالقول: إنها ليست أميركا التي نتعامل معها الآن, لكوننا نتعامل في أرض الواقع, مع أميركا السجن والاعتقال بدون محاكمات ولا قانون".
وبالفعل فقد تحول س