من يتابع التفاعلات حول ظاهرة بطالة المواطنين يستطيع أن يتوصل إلى استنتاجات عدة، من بينها أن هناك تغييباً لعنصر المعاناة الإنسانية والنفسية الناجمة عن هذه الظاهرة، وهناك تجاهل لما تفرزه البطالة ووأد الأحلام المشروعة في مطلع العمر من تأثيرات وانعكاسات سلبية تغرس في نفوس شبابنا الذين يعانون البطالة. فالحديث الذي يفترض أن يتحول إلى حملة وطنية لتشغيل هؤلاء الشباب، تحول من دون داع إلى جدل حول معدلات البطالة وصحة الإحصاءات التي تعلنها هيئة "تنمية" مع أن تحديد المعدلات بدقة، رغم أهميته القصوى بالنسبة إلى دوائر صناعة القرار، لا يعفي المجتمع من مسؤولية تشغيل هؤلاء الشباب سواء كانوا بالآلاف أو بالمئات أو حتى بالعشرات، وسواء ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 26 ألفا أو اقتصر على نحو ستة آلاف يعانون البطالة، فإن هذا لا ينفي وجود المعاناة الإنسانية، ولو نظرنا حولنا بدقة لأدركنا صعوبة الأمر سواء من خلال القصص التي هي أشبه بالتوسلات التي تنشر في الصحف طلبا للعمل، ومنهم بالمناسبة من يقبل بعمل أقل من شهادته الجامعية، فهل نحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك للتعرف إلى هذه الشريحة من أبنائنا؟.
اللافت أيضا أننا نسينا المشكلة الأساسية وانصرفنا عنها إلى جدل فرعي آخر يدور حول تعريف البطالة وهل تتضمن الباحثين عن فرص أفضل أم تقتصر على العاطلين عن العمل فعلا؟ صحيح أن هذا التعريف والفصل مطلوب إحصائيا ومفاهيميا كي يمكن تحديد حجم الظاهرة والتعامل معها وربطها بالخطط والمشروعات المستقبلية، ولكن ذلك لا يعني أن ننصرف عنها ونشكك في وجودها ونتجاهل الأصوات التي بحَّت من المطالبة بفرصة عمل لائقة. وثمة أمر لافت آخر هو أن بعضنا يلوم على شباب المواطنين رغبتهم في الحصول على فرص عمل مناسبة لظروفهم الاجتماعية، سواء كانت هذه الظروف تتعلق بالسكن أو بالعائلة أو بغير ذلك، وإذا كنا نتيح من المزايا وعوامل الراحة ما يوفر للوافدين أجواء عمل مناسبة، فلماذا ننكر على شبابنا مجرد التلفظ بشروط من هذا القبيل؟ ثم إن توافر فرصة عمل لا يرغب الإنسان بشغلها، بغض النظر عن مزاياها التفضيلية، لا يعني بالتبعية التحامل عليه واتهامه بالتخاذل و"الدلع الزائد على الحد"!. الملاحظ إجمالا أن منهج "التعميم" يلعب دورا مهما في الجدل حول بطالة المواطنين، فالبعض ينطلق من رؤيته الذاتية لشريحة معينة من الشباب ويعممها على الجميع، فيما ينبري آخرون إلى الدفاع انطلاقا أيضا من رؤية ذاتية مغايرة، والحقيقة هي أننا مجتمع بشري شأنه شأن أي مجتمع آخر هناك شباب جادون وهناك نقيضهم وهناك شريحة بين بين، وعلينا ألا تكون أحكامنا قاسية على شبابنا، وعلينا كذلك أن نعمل على تقويم من اعوجّ منهم, فهم بالنهاية ثروتنا البشرية التي نراهن عليها في بناء مستقبلنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية