يبدو واضحاً أن إدارة بوش تسعى حثيثاً نحو تسليح الفضاء الخارجي. فخلال العامين الماضيين, أنفقت الإدارة نحو 500 مليون دولار سنوياً على الأبحاث الخاصة بدراسة تسليح الفضاء, وفقاً للمعلومات الصادرة عن المركز الإعلامي لوزارة الدفاع. وفي المرحلة الراهنة من البحث, هناك الاهتمام بدراسة الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية, وكذلك النظم الفضائية المضادة للصواريخ, وأسلحة الليزر, والأقمار الاصطناعية الراجمة التي تستخدم تقنية التأثير الحركي, إلى جانب نظم الطاقة الموجهة, وربما التفجيرات النووية أيضاً. كما تجري دراسة إمكانية تزويد هذه الأسلحة بما تحتاجه من طاقة, بواسطة مفاعلات نووية تدور في الفضاء. وفي وثيقتها المعنونة "رؤى عام 2020" أعلنت قيادة الفضاء الأميركية، عن تبنيها لمبدأ عسكري جديد أطلقت عليه تسمية "الهيمنة الشاملة" اعتماداً على قناعتها بأن "الأمة التي تستطيع الهيمنة على الفضاء الخارجي, تستطيع كذلك الهيمنة على الأرض". وجاء في تصريحات القيادة المشار إليها أعلاه, أن الفضاء الخارجي, يعد جبهة مشروعة للعمل العسكري, وأنه من حق الولايات المتحدة أن تبرز من خلاله، مدى قوتها العسكرية.
وعلى أية حال, فإنه ليس ثمة جديد في هذا المنحى العسكري, حيث قطعت خطوات تسليح الفضاء شوطاً بعيداً, وذلك عن طريق استخدام الأقمار الاصطناعية في عمليات تحديد الأهداف الأرضية, ومن ثم تدقيق إصابتها بواسطة التكتيكات والأسلحة الأرضية. وقد أظهر هذا الاستخدام للفضاء, نجاحاً باهراً في كل من حربي العراق الأخيرة في عام 2003, والأولى في عام 1991. ووفقاً للتقنيات هذه, تستطيع الصواريخ البالستية العابرة للقارات, دخول الفضاء الخارجي والخروج منه, عبر رحلتها الطويلة نحو إصابة أهدافها الأرضية في القارات البعيدة عن نقطة انطلاقها الفضائية. وبالمثل فإن الصواريخ المضادة للصورايخ البالستية, التي عادة ما يتم إطلاقها لتدمير هذا النوع من الصواريخ, تنطلق هي الأخرى من الفضاء.
وبحسب مفهوم الدفاع والهجوم في العقيدة العسكرية, فإنه إذا ما انطلق جني ما من قمقمه سلفاً لتسليح الفضاء الخارجي, فإنه لابد من إطلاق جني آخر, كي يؤدي مهمة الدفاع المسلح عن الفضاء الخارجي. ولكن ما نعلمه أن الأسلحة لا تدور مثل الكواكب والأفلاك الأخرى في الفضاء الخارجي. وهناك عدد من الأسباب القوية التي تبرر الاعتراض على تسليح الفضاء, ومنع وجود الأسلحة فيه.
أول هذه الأسباب، أن السماح لأي دولة ما, بتسليح الفضاء الخارجي, إنما يطلق العقال أمام سباق التسلح الفضائي, ويحفز همة الدول الأخرى للدخول إلى حلبته. ومن المعلوم أن سباقاً كهذا, ستبلغ تكلفته المالية أرقاماً فلكية, تصل إلى مئات وآلاف المليارات من الدولارات. وعندما تضع دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية أسلحتها هناك, فإن الشيء المنطقي والطبيعي, هو أن تحفز خطوة كهذه, دولاً أخرى منافسة مثل الصين وروسيا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي, إلى السير في ذات الطريق.
ثانياً، تفتقر معظم الأسلحة الفضائية إلى الكفاءة العسكرية المطلوبة, بالمقارنة مع نظيرتها الأرضية, أو تلك المنصوبة داخل الغلاف الجوي. وفيما لو أردنا تدمير موقع ما لإطلاق الصواريخ, أو القضاء على وحدة أو كتيبة عسكرية ما, أو حتى إلقاء قنبلة على مفاعل نووي ما, فإن الأكثر كفاءة في مثل هذه الأعمال والمهام, هو أن نستخدم الأسلحة الأرضية، مثل الصواريخ أو الطائرات الحربية غير المأهولة. أضف إلى ذلك أن الأسلحة الفضائية أعلى تكلفة بما لا يقاس بأي أسلحة أرضية, أو طائرات حربية مستخدمة اليوم.
ثالثاً، تعد الولايات المتحدة الأميركية اليوم, أقوى قوة عسكرية ضاربة بلا منازع. ويصل حجم إنفاقها الدفاعي إلى 500 مليار دولار سنوياً, بما في ذلك الميزانيات المخصصة للحروب والعمليات الحربية الجارية الآن, فضلاً عن أن تكنولوجيتها الدفاعية, تعد الأولى بلا منازع, ولا تستطيع حتى دول مثل روسيا والصين منافستها عليها. ولكل هذه الأسباب, فإنه ليس هناك ما يبرر إضافة الفضاء الخارجي, كامتداد جديد لاستراتيجيتنا العسكرية. وفي الواقع, فإن من شأن اتجاه كهذا لتسليح الفضاء الخارجي, أن يزيد من قوة عضلاتنا الحربية, دون أن يؤدي بالضرورة, إلى تعزيز أمننا القومي.
رابعاً وأخيراً، لم يعد خفياً على أحد, أن الاستجابة لأي سباق تسلح في الفضاء, جاهزة وموجودة سلفاً. فهناك مسودة معاهدة دولية تحظر أي شكل من أشكال تسليح الفضاء الخارجي, كانت قد اقترحتها كل من الصين وروسيا في عام 2002. ومن أسف أن الولايات المتحدة الأميركية - على رغم كونها القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم- هي وحدها التي رفضت المصادقة عليها, بين كافة الدول ذات الوزن العسكري الآن, ومن ثم رفضت التوقيع كذلك على توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة, الخاصة بحظر تسليح الفضاء الخارجي.
وبرفضها التوقيع والمصادقة على المعاهدة الدولية التي تحظر تسليح الفضاء الخارجي, وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات الدولية الرئيسية, إن