مع انتهاء زيارة رئيس الوزراء المصري د. أحمد نظيف إلى واشنطن ولقائه بأقطاب الإدارة الأميركية وآخرهم الرئيس بوش, أصبح السؤال المطروح على المراقبين هو: هل جاءت حصيلة مفاوضات بوش ونظيف في صف رؤية الرئيس مبارك الداعية إلى تطبيق الإصلاح الديمقراطي في الدول العربية طبقاً لمنطق الإصلاح النابع من الداخل، وطبقاً للجرعات المناسبة التي تمليها الظروف المحلية، أم أن هذه الحصيلة تصب في الرؤية الأصلية للرئيس بوش والتي تدفع المعايير الدولية للإصلاح الديمقراطي بقوة تعجل وتحاول تطبيقها على الدول العربية؟
في تقديري أن المؤشرات الصادرة عن القاهرة وواشنطن تفيد أن درجة من المزج بين الرؤيتين قد تحققت. مع بدء زيارة نظيف أطلق مجموعة تصريحات لوكالات الأنباء تمثل الأساس النظري السياسي الذي بنى عليه مباحثاته سواء مع وزيرة الخارجية أو نائب الرئيس أو الرئيس بوش نفسه. قال نظيف في تصريحاته، إن على المصريين أن ينضجوا سياسياً قبل تطبيق الديمقراطية. كذلك قال، إن ثلاثين عاماً ليست فترة طويلة حتى نقلق من بطء عملية الإصلاح. وأضاف أن الرئيس مبارك قال، إنه ليس هناك وقت لتقديم مرشح معارض جاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وإن الأمر سيظل أقرب إلى الاستفتاء. بالإضافة إلى هذا الأساس النظري الذي حمله نظيف ليفاوض على أساسه، أوضح في أحاديثه العلنية المتعددة في واشنطن أن تاريخ الإخوان المسلمين يؤكد أنها جماعة غير ديمقراطية، وهو ما يتوافق مع تصريح أدلى به الرئيس مبارك نفسه يصب في نفس الاتجاه نشرته صحيفة "الأهرام" يقول فيه، إن الإخوان يريدون السلطة، وإذا حكموا فإنهم سيحكمون للأبد، وسيسببون القلق في البلاد. وأضاف أن الإخوان سيبدأون بمهادنة الحاكم كخطوة أولى، ثم يبدأون بإثارة الفوضى السياسية ثم القفز على الحكم. ويمكن ملاحظة أن هذا الأساس السياسي النظري قد جاء رداً على تصريحات سابقة لكوندوليزا رايس قالت فيها إن الإدارة لم تعد تتأثر بعمليات التخويف من دفع الإصلاحات الديمقراطية في الدول العربية على أساس أن الديمقراطية ستؤدي إلى وصول المتطرفين إلى الحكم.
الواضح أن هناك جدلاً حدث حول هذه المسألة في لقاء رئيس الوزراء المصري مع وزيرة الخارجية الأميركية، وربما مع الرئيس بوش نفسه، وأن نظيف استطاع أن يقنع الطرف الأميركي بوجهة نظره في عدم السماح للإخوان المسلمين بتكوين حزب سياسي مقابل اقتناعه هو بنصائح بوش حول ضرورة إجراء انتخابات عادلة ومحايدة في مصر. بحضور مراقبين دوليين في الإطار الذي حدده تصريح مبارك.
إن المزج بين رؤيتي مبارك- بوش حول الإصلاح الديمقراطي تمثل إذن على نحو جوهري في تراجع الأميركيين عن فكرة إطلاق العملية الديمقراطية بشكل كامل يسمح للإخوان المسلمين بتكوين حزبهم وخوض الانتخابات الرئاسية بمرشح يمثلهم، وقبول الإدارة لمنطق الإصلاح المتدرج مقابل تراجع نظيف عن الموقف المصري في رفض وجود مراقبين دوليين للانتخابات المصرية، وهو الرفض الذي عبرت عنه رموز سياسية عليا فور إعلان الرئيس الأميركي عن هذا المطلب خلال زيارته إلى لاتفيا في السابع من مايو.
قبل لقاء نظيف- بوش بيومين، نشر هنري كيسنجر مقالاً في "واشنطن بوست" تحت عنوان "تنفيذ رؤية بوش". ساند منطق كيسنجر فكرة التوفيق بين رؤية مبارك ورؤية بوش على نحو شبه صريح، فقد رأى أنه لا يوجد فراغ حالي متحقق في مصر والسعودية، لكنه فراغ محتمل إذا ما تواصل ضغط بوش. ومن هنا اقترح كيسنجر أن السياسة الأميركية الحكيمة تقتضي الموازنة بين الجهود اللازمة للتخلص من حالة الركود السياسي من ناحية، وبين الضغوط الأميركية التي يمكن أن تؤدي إلى تذويب الإطار السياسي للنظم وتحوله بعد تفكيكه إلى إطار يتنافس فيه أصحاب التيارات الأصولية يفوز أحدها بالحكم. لقد استخدم كيسنجر نتائج الانتخابات البلدية في السعودية والتي يرى أنها كشفت عن فوز الأصوليين لإظهار مدى خطورة اندفاع رؤية بوش في الضغط على كل من مصر والسعودية.