أخطر سيناريو في الحديث عن بطالة المواطنين هو أن تدرك شريحة من هؤلاء الذين يعانون البطالة أن الجهود والتصريحات بهذا الشأن ليست سوى "كلام جرايد" للاستهلاك المحلي، والمشكلة بالطبع ليست في "الإدراك" أو التوصل إلى هذه القناعة، بل هي بالأساس إذا كانت هذه القناعة صحيحة وهنا نكون بصدد مأزق حقيقي. وإذا كان بعض شبابنا قد توصل - كما ورد في تحقيق صحفي نشر مؤخرا- إلى هذا الاستنتاج، فإن هناك تساؤلات مشروعة تطرح في محاولة لفهم الأسباب التي دفعتهم إلى هذه الزاوية الحرجة التي جعلتهم يفقدون الثقة بالإجراءات الرسمية الرامية إلى مساعدتهم في أزمتهم. وأول هذه التساؤلات يتعلق بما إذا كانت هناك إجراءات وخطوات فعلية اتخذت لتوفير فرص عمل للمواطنين. أما أن الأمر يقتصر على الجهود المحدودة التي تبذلها هيئة "تنمية" التي تعتمد في أغلب الأحوال على المناشدات والآليات البيروقراطية؟ وهل هناك خطوات اتخذت لسن تشريعات تمتلك من المخالب ما يوفر لها فاعلية التنفيذ واختراق الحواجز التي يضربها القطاع الخاص على نفسه في مجال التوطين؟ وهل هناك أي تفكير في خطط تحفيزية تعتمد على سياسة الثواب والعقاب الاقتصادي كبديل تمت تجربته بنجاح في تعزيز خطط التوطين في بعض دول مجلس التعاون؟ أم أننا نعتمد على منهج التجربة والخطأ ونتغاضى عن طرق وتجارب ثبتت نجاعتها؟
والمؤكد أن ضمان نجاح أي خطط علاجية يتطلب بداية توافر قناعة ذاتية بوجود مشكلة، ولكن الحاصل أن هناك جدلا سائدا حول وجود مشكلة بطالة من عدمه، وهناك من ينظر إلى الاعتراف بهذه المشكلة نظرة سلبية، مع أن البطالة لدينا قد تكون ظاهرة اقتصادية فريدة لا تؤشر إلى عيب في الأداء الاقتصادي بل هي بالأساس نتيجة تضافر عوامل إدارية لا تمت للأداء الاقتصادي بصلة، فليس هناك أي عجز في الوظائف المتاحة بل إن الاقتصاد الوطني يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل سنويا بما يدفع الخبراء للقول إن خطط التوطين لن تحد من تدفق العمالة الخارجية خلال السنوات المقبلة, بسبب تفوق ما تفرزه السوق من فرص عمل على أعداد المواطنين الذين يدخلون السوق سنويا، وبالتالي فإن البطالة لدينا ليست نتيجة لقصور معدلات التنمية بل هي بالأساس نتيجة غياب الانسجام بين تخطيط التعليم والتدريب من ناحية، وتخطيط القوى العاملة والمشروعات المستقبلية من جهة ثانية.
الشواهد جميعها تؤكد أن توفير وظائف لشبابنا لا يتطلب جهودا وخططا استثنائية بقدر ما يحتاج إلى نوايا مخلصة وجدية، تتعامل مع الأمر بما يستحق من اهتمام وتأخذ بالاعتبار التعامل بجدية مع تجاهل القطاع الخاص لقرارات التوطين وخططه بما يحقق المصلحة العامة ولا يضر في الوقت ذاته بصيغة الشراكة المجتمعية والاقتصادية، التي نصبو إلى تحقيقها مع هذا القطاع الحيوي الذي يمكن أن يكون رافعة حقيقية للتعامل مع مختلف القضايا والإشكاليات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية