سوف يلتقي خلال هذا الأسبوع في واشنطن الزعيم الفلسطيني محمود عباس بالرئيس الأميركي جورج بوش. وخلال هذا اللقاء سيحاول عباس، كرئيس للسلطة الفلسطينية، أن يثبت أن الاستراتيجية التي ينتهجها والمعتمدة على اللاعنف ستؤتي أكلها بالنسبة للفلسطينيين، حيث تشير استطلاعات رأي أجريت خلال فترة انتخابه في يناير الماضي إلى أن الفلسطينيين سئموا من الحرمان اليومي وفقدان موارد دخلهم. وأظهرت الاستطلاعات كذلك أن الفلسطينيين يرغبون في عودة الهدوء وحرية التنقل واستئناف أعمالهم، وهم ينتظرون أن يفي عباس بتلك الاحتياجات.
والأكيد كذلك أن الشعب الفلسطيني يتوق للقضاء على الفساد وانعدام القانون المستشريين في المدن والإدارات الفلسطينية بعد سياسة الفوضى المقصودة التي كان ينتهجها الرئيس الراحل ياسر عرفات. غير أن محمود عباس، مع الأسف، لم يتمكن من الوفاء إلا بالقليل مما هو منتظر منه. ففي الوقت الذي تحرك فيه ضد الفساد، ولو بشكل حذر بالنظر إلى معارضة الحرس القديم لحركة فتح، نجده قد أخفق في إحراز تقدم ملموس في خلق فرص العمل أو رفع القيود على حركة التنقل. وبالرغم من أن الفلسطينيين مازالوا يعتقدون بإمكانية نجاحه، إلا أن استياءهم ما فتئ يتزايد جراء غياب أي تغيير حقيقي في عيشهم اليومي.
ولعل إحدى الإشارات الدالة على عجز محمود عباس أمام التوقعات الكبيرة للفلسطينيين هي صعود نجم حماس. فصعود نجم حماس لا يرجع إلى أجندتها الإسلامية بقدر ما هو راجع إلى اعتقاد الفلسطينيين أنها أكثر قدرة على الوفاء بتطلعاتهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم. وفي إشارة أخرى إلى الاستياء المتزايد لدى الفلسطينيين، تشير استطلاعات الرأي إلى أن 75% من الفلسطينيين لم يلمسوا أي تغيير، والأدهى من ذلك أن التغيير، في نظرهم، كان إلى الأسوأ خلال فترة محمود عباس.
إن مثل هذه النتائج الملفتة للنظر التي تشير إليها استطلاعات الرأي تجعلنا نقرع جرس الإنذار لإدارة الرئيس بوش. فمعلوم أن محمود عباس يؤمن بالحكم العلماني وسيادة القانون، بالإضافة إلى اللاعنف وضرورة التعايش مع الإسرائيليين. وإذا لم ينجح في مساعيه ولم يستطع أن يثبت أن طريقته قادرة على منح مستقبل أفضل للفلسطينيين، فأية رسالة، إذن، يمكن أن ترشح من مثل هذا الفشل؟ ومن نظن أنه سيأخذ مكانه؟ إن إمكانية فوز حماس بالانتخابات مع ما سينتج عن ذلك من تقييد حركته واستبداله بأحد منهم ليس ضربا من الخيال.
كما أن التقاط صور له مع الرئيس بوش في هذه الزيارة لن يساعده كثيرا، لأن ما يحتاجه محمود عباس بالفعل لفرض التغيير على من يقاومونه في الدوائر الأمنية ليس مجرد تشجيعات خطابية، بل ما يحتاجه هو مساعدة العالم الخارجي. ولكي يحصل ذلك يجب أن تنتقل المساعدات المادية من مجرد وعود جوفاء إلى حقائق على أرض الواقع. وبالرغم من أن الدول المانحة تعهدت في ديسمبر الماضي بمنح 1.2 مليار دولار للفلسطينيين، إلا أنه بعد مرور ستة أشهر لم ير النور سوى 10% من ذلك المبلغ وهو وإن كان مهما، فإنه لن يلبي الاحتياجات الماسة للفلسطينيين التي تسببها البطالة. كما أن انخفاض الدخل الفردي في غزة والضفة الغربية من 1.800دولار سنة 2000 إلى ألف دولار يفاقم حاجة الفلسطينيين إلى تمويل مشاريع كبرى منتجة للعمل.
ومع ذلك، فالمجتمع الدولي يتصرف كما أن المقاربة المألوفة في إجراء الأعمال وعقد الصفقات تكفي لتقديم ما سبق التعهد به من مساعدات. إننا إذا ما اعتمدنا على تلك المقاربة فالنتيجة ستكون أنه في الوقت الذي ستبدأ فيه الأموال المرصودة للفلسطينيين في الظهور، ستكون حماس وليس السلطة الفلسطينية من سيتلقاها وينفقها. ولذلك نعتقد أنه حان الوقت لإدارة بوش للضغط على الدول المانحة من أجل الوفاء بتعهداتها. ولهذا يجب أن تشكل زيارة محمود عباس لواشنطن المحرك الرئيسي لهذه المبادرة.
وبالرغم من أن الكونغرس الأميركي يتأهب للمصادقة على المساعدة المرصودة من قبل إدارة بوش، إلا أنه من غير المرجح أن تتدفق أموال المساعدة إلى المشاريع المنتجة للعمل قبل الانتخابات الفلسطينية المقبلة. هذا وسيمكننا الطلب الذي تقدمت به إدارة بوش للكونغرس بصرف 350 مليون دولار للسلطة الفلسطينية من ممارسة الضغوط على دول الخليج العربي للإسهام بنصيبها في المساعدات المالية. وهي الدول التي لم تفِ لحد الآن بالتزاماتها المالية اتجاه السلطة الفلسطينية، ناهيك عن تقديمها مساعدات إضافية. ولهذا السبب، يتعين على إدارة بوش أن تدعو علانية، وليس بشكل سري، إلى إحداث صندوق لمجلس التعاون الخليجي يرصد مبلغ مليار دولار لمساعدة الفلسطينيين. وعلى هذه الأموال أن تتوفر بشكل فوري لتمويل مشاريع الإسكان وخلق فرص العمل، خصوصا مع توفر مقاولين فلسطينيين مستعدين للتخطيط والبناء. كما أن هذه الأموال ستوفر للسلطة الفلسطينية 240 مليون دولار لتنفقها على البرامج الاجتماعية وتنافس بها حماس، علاوة على توفير تكاليف المعاشات التي يحتاج محمود عباس دفعها للمسؤولين الذين أحالهم على التقاعد.
إنه لن يكو