التجمع العربي الوحيد الصامد منذ ربع قرن سمفونية تتكرر في صحافتنا العربية والخليجية عند ذكر مجلس التعاون الخليجي كأن البقاء لمجرد البقاء إنجاز في حد ذاته. الأسبوع القادم ستعقد القمة الخليجية التشاورية في السعودية، والظاهرة الغريبة التي تغلف العمل الخليجي المشترك والتي قد ينفرد بها فعلا مجلس التعاون هي استمرارية عقد القمم الخليجية السنوية، ثم القمم الخليجية التشاورية منذ استحداثها حتى في أكثر الأوقات تأزما بين دوله الأعضاء. إذ قد تتصاعد الخلافات وتفتر العلاقات بين دولة أو أكثر من دولة لكن يبقى تمثيل الدول عند حضور القمم على أعلى المستويات. قمة المنامة الـ25 التي عقدت في المنامة في 21 من ديسمبر 2004 والتي حملت اسم قمة المغفور له الشيخ زايد "قمة زايد" كانت مثالا صارخاً لقمة تأزم الخلافات بين دول المجلس إذ طغت اتفاقية التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة على الأجواء قبل القمة، وظهرت مؤشرات قوية لاحتمال مقاطعة القمة من قبل السعودية أو تفجر الخلاف في أروقة المجلس حول الملفات الاقتصادية رغم ذلك عقدت القمة بحضور جميع أعضاء المجلس.
تحليل البيان الختامي للقمة في الدورة الأخيرة قد يعطي فكرة أوضح عما يتوقع مناقشته الأسبوع القادم. تناول البيان الختامي العديد من القضايا السياسية المدرجة سنويا على جدول أعماله كالملف الفلسطيني وعملية السلام في الشرق الأوسط والملف العراقي، وملف الجزر الثلاث الإماراتية المحتلة, بتأكيده المستمر على حق دولة الإمارات في الجزر. كما تناولت القمة في بيانها دراسة إقامة خط حديدي يربط دول مجلس التعاون لتسهيل الانتقال بين الشعوب الخليجية، إضافة إلى إقامة شبكة جسور تربط بين الإمارات وقطر من ناحية وقطر والبحرين من ناحية أخرى. رغم كل ذلك فقد غابت أو غيبت أهم القرارات الاقتصادية التي كانت قد اتخذت في قمة الكويت, كإصدار العملة الخليجية الموحدة وتفعيل قرار السوق المشتركة. وغابت قرارات منتظرة, أو لنقل مؤجلة بسبب الأوضاع الأمنية, كقرار الانتقال الحر بين مواطني المجلس وحتى الجواز الخليجي الموحد، لذا لم تخرج نتائج القمة عما كان متوقعا ولم يفاجئنا البيان الختامي بأي قرار أو توصية خارجة عن نطاق التسويات والعبارات الدبلوماسية.
كانت قمة المنامة قمة تأجيل القرارات المهمة، ولعل أخطرها القرارات الاقتصادية. وللأسف رغم كل المشاكل المحيطة بدول المجلس سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي وحتى المحلي الدافعة لترسيخ المجلس بعد ربع قرن على إنشائه, لا يتوقع الكثير من القمة التشاورية القادمة طالما أن كل دولة من الأعضاء تغرد منفردة اقتصاديا.
لن نقارن بالتأكيد التجربة الأوروبية بتجربة مجلس التعاون, لكن نكرر كغيرنا أن الاقتصاد لا السياسة هو الطريق للمستقبل. كان للسياسة أو لنقل الأوضاع الأمنية سبب مباشر في نشأة المجلس عام 1981, وكانت آمال الشعوب الخليجية وقتها أكبر من أن تحتويها قرارات القمم اللاحقة بوحدة المشاعر الخليجية وأغاني "خليجنا واحد". ورغم استمرار الزخم الشعبي المرافق لنشأة المجلس في سنواته الأولى ورغم العاصفة التي ألمت بالمجلس باحتلال الكويت عام 1990 بقي المجلس، واستمر في وقت لم يتوقع له الاستمرار بسبب الهواجس الأمنية. وللأسف كان لهاجس الأمن دور في بقاء المجلس ولكن في ذات الوقت دور في ضعفه. فالمجلس لم يحقق الكثير من أهدافه التي رسمت عام 1981 ، ورغم تحقيق الحد الأدنى من الأهداف, إلا أن المجلس فقد ألقه على الصعيد الشعبي، حتى غدا عقد القمة مجرد حدث لا يتوقف عنده رجل الشارع، وقرارات شكلية لا تضرب في عمق حياة المواطن الخليجي ولا تؤثر على حياته بشكل مباشر... وتلك المعضلة.
ما الجديد الذي ستجلبه القمة الخليجية التشاورية؟ نقول تفاؤلا... لا جديد، طالما بقي الملف الاقتصادي خارج جدول الأعمال. ستبقى الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها وماضية في مفاوضات توقيعها بعض الدول الخليجية مع الولايات المتحدة ملفا حاضرا غائبا عن القمة. المطلوب من القمة التشاورية القادمة ألا تقفز على عثرات دول المجلس حتى لو لم يتعدَّ الأمر مناقشة الخيارات المطروحة، وذلك أضعف الإيمان.