رغم الجدل الذي أحاط مؤخرا بلجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، فإن الآلاف من نشطائها المؤيدين لإسرائيل سيجتمعون في مؤتمرهم السنوي بواشنطن، وستظهر الأوساط الرسمية الأميركية الترحيب الاعتيادي للمنظمة وأهدافها. بيد أن ما يجب الإشارة إليه هو تلك الغيوم التي تلبد سماء المنظمة وذلك النقاش الدائر في الأوساط اليهودية بأميركا.
وخلال المؤتمر، ستلقي وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس خطابا تشرح فيه سياسة الإدارة الأميركية، كما سيتحدث فيه قيادات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري داخل مجلسي النواب والشيوخ. ويحدث ذلك كله على خلفية التحقيقات التي أجراها مكتب التحقيقات الأميركية حول الاتهامات التي وجهت إلى أحد كبار المسؤولين في منظمة أيباك بخصوص تسريبه تقارير سرية إلى الحكومة الإسرائيلية، حيث كان يتلقى تلك التقارير السرية من لاري فرانكلين المسؤول في وزارة الدفاع الأميركية والذي تم توجيه الاتهام إليه واعتقاله للدور الذي لعبه في هذه القضية. وكنتيجة لذلك، قدم ستيف روزن، وهو العقل المفكر لمنظمة أيباك، استقالته بعدما تعرضت مكاتبه للتفتيش من قبل المحققين واستدعي للمثول أمام هيئة المحلفين الكبرى.
وقد تساءل البعض أثناء انكشاف قصة فرانكالين وروزن عما إذا كانت منظمة أيباك ستتخطى هذه الأزمة بسلام. ورغم أنه يبدو أن المنظمة نجحت بالفعل في تخطي الأزمة، إلا أن القضية خلفت تداعياتها خصوصا في الأوساط اليهودية، حيث تشير التقارير الأخيرة التي نشرت في الصحف اليهودية إلى احتدام النقاش على جبهات متعددة.
لقد شهدنا خلال سنوات كيف أن أغلبية معتبرة من اليهود تساند حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس اتفاقات جنيف لسنة 2003. لكن في الوقت الذي نجد فيه العديد من المنظمات اليهودية تؤيد هذه الأجندة المتقدمة للسلام، تعلن فيه منظمة أيباك عن دعمها لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتواجدة في السلطة. وهذا ما يفسر تأخر المنظمة في إعلان تأييدها لـ"خريطة الطريق" أو خطة شارون لـ"فك الارتباط المحدود". وعندما تعهد الرئيس بوش بالزيادة في حجم المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية عملت "أيباك" مع أعضاء متشددين في الكونجرس على فرض شروط مهينة لتقديم تلك المساعدات.
وقد أدى ذلك إلى بروز مجموعتي ضغط متنافستين لتأييد إسرائيل. الأولى تدعم المواقف المتشددة والثانية تساند السلام. ورغم أن النقاش الذي عكسته تلك القضية داخل الأوساط اليهودية كان حقيقيا وحادا، إلا أنه لم يفض إلى انقسام بين الجمهور. أما النقاش الآخر الذي بدأ يعتمل في صدور الأوساط اليهودية، والمرتبط مباشرة بقضية فرانكلين وروزن فيتمثل في طبيعة العلاقة التي يتعين على اليهود الأميركيين نسجها مع إسرائيل. وقد ذكر بعض موظفي "أيباك" في لقاءات أجريت معهم مؤخرا كيف أن هذه "القضية" جعلتهم يطرحون أسئلة حول مسألة "الولاء المزدوج". وقد ساهم طرح ذلك السؤال في التنبيه إلى الخطورة المتزايدة التي تكمن في أن يصبح عمل "أيباك" متماهيا مع الأجندة الإسرائيلية.
ومع أن اليهود الأميركيين كانوا دائما يبدون حذرهم من الولاء المزدوج، ويفسرون دعمهم لإسرائيل بأنه دعم لسياسات أميركا ومصالحها. وبالرغم من حالة عدم الارتياح التي تسببت فيها قضية فرانكلين وروزن للمنظمة والإدارة الأميركية، إلا أن قوة "أيباك" مازالت حقيقية من خلال تأثيرها على نتائج انتخابات الكونجرس عن طريق الدعم المالي الذي تقدمه للمرشحين الذين يتفقون مع سياساتها.
وبانعقاد مؤتمر "أيباك" بواشنطن ستستمر قوتها في الظهور، لكن ما أن تهدأ تلك الأصوات المألوفة المدافعة عن سياسات إسرائيل ويسدل الستار على المؤتمر حتى يستأنف من جديد النقاش في أوساط اليهود الأميركيين.