مثلث العلاقة بين الإنسان والدهون والأمراض، هو مثلث شائك متعدد الجوانب، يستعصي فهمه على الكثيرين، بما في ذلك الأطباء أحياناً. أية محاولة لفهم جوانب هذه العلاقة، لابد أن تبدأ من إدراك لأساسيات الدهون، مع الإلمام بالأشكال المختلفة التي تتواجد عليها. بداية لابد من التفرقة بين الأنسجة الدهنية وبين المركبات الدهنية. فالأنسجة الدهنية هي عبارة عن تجمعات من الخلايا، تعمل كمخزن للمركبات الدهنية. وتتواجد الأنسجة الدهنية إما تحت الجلد مباشرة، أو كوسادة دهنية تحيط بالأعضاء الداخلية. ويتم تقسيم الأنسجة الدهنية حسب موضعها في الجسم، إما إلى أنسجة طرفية تتواجد في الساقين والذراعين، أو أنسجة مركزية وسطية تتواجد في الجذع وخصوصا منطقة البطن. هذه التقسيمة بالغة الأهمية عند التنبؤ باحتمالات الإصابة بأمراض مختلفة، كنتيجة زيادة كميات الأنسجة الدهنية في الجسم. فالأنسجة الدهنية الطرفية لا تشكل خطرا يذكر، بينما تتسبب السمنة المركزية الوسطية في زيادة مقاومة جميع أنسجة الجسم لهرمون الأنسولين، والإصابة بالمنظومة الأيضية (Metabolic Syndrome) . هذه المنظومة هي عبارة عن تجمع لعدة اختلالات فسيولوجية ، هي: 1) السمنة المركزية، 2) مرض السكري 3) ارتفاع ضغط الدم، 4) اختلال نسب الدهون في الدم، 5) الإصابة بالكبد الدهني (Fatty Liver) . وليس من الواضح حتى الآن، ما إذا كانت السمنة المركزية هي التي تتسبب في الإصابة بزيادة مقاومة الأنسولين، أما أن هذه المنظومة تنتج من اختلال فسيولوجي واسع النطاق تنتج عنه جميع المظاهر السابقة. المهم هو وجود علاقة واضحة بين السمنة المركزية وبين مقاومة الأنسولين والمنظومة الأيضية، سواء كسبب أو كنتيجة.
أما بالنسبة للمركبات الدهنية التي تخزن في تلك الأنسجة، فهي عبارة عن مركبات كيميائية تتمتع بخواص معينة، مثل عدم قابليتها للذوبان في الماء، وانخفاض كثافتها مما يجعلها تطفو دائما إذا ما مزجت بالماء. وتوجد المركبات الدهنية في حالتين فيزيائيتين: حالة صلبة كما في السمن والزبدة، أو حالة سائلة كما في الزيوت. الخاصية الأخرى والمهمة فيما يتعلق بالدهون، وبالتحديد في الأحماض الدهنية، هي كونها مشبعة أو غير مشبعة. وبدون الدخول في تفاصيل كيميائية، تعرف الدهون المشبعة بأنها تلك التي تشبعت بذرات الهيدروجين، أما غير المشبعة فهي تلك التي يمكنها تقبل المزيد من ذرات الهيدروجين. وتأتي أهمية تقسيم الدهون إلى مشبعة وغير مشبعة، بسبب أن الدراسات الطبية الواحدة تلو الأخرى قد أظهرت أن تناول غذاء يحتوي على كميات كبيرة من الدهون المشبعة، يؤدي إلى زيادة احتمالات الإصابة بتصلب الشرايين. ومن ثم الإصابة بأمراض شرايين القلب والمخ، مثل الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. ولم تتوقف الدراسات عند توجيه إصبع الاتهام للدهون المشبعة، بل أضافت بأن استبدال تلك الدهون بشقيقتها غير المشبعة، يرفع من مستوى الكوليسترول الجيد، ويخفض من مستوى الكوليسترول الرديء. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن أمراض الشرايين، وبالتحديد شرايين القلب والمخ، تعتبر من أكثر الأمراض فتكا بأفراد الجنس البشري، فسندرك بسهولة الأهمية الشديدة التي تحتلها الدهون المشبعة وغير المشبعة على صعيد الصحة والمرض. فأمراض شرايين القلب والتي يتسبب ضيقها وانسدادها في الإصابة بالذبحة الصدرية، تتسبب في وفاة أكثر من سبعة ملايين شخص سنويا، أو ما يعادل 13% من وفيات أفراد الجنس البشري كل عام. أما أمراض شرايين المخ فتتسبب في مقتل أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون شخص سنوياً، أو ما يعادل 10% من وفيات أفراد الجنس البشري كل عام. هذه الأمراض جميعها، يلعب مستوى الكوليسترول، وبالتحديد الكوليسترول الرديء، دورا محوريا في الإصابة بها، من خلال تسببه في تصلب جدران الشرايين وانسدادها.
ولكن لا يتفق الجميع على أن الدهون المشبعة هي المسؤول الوحيد عن تصلب الشرايين وانسداداها، حيث يلقون باللوم على نوع آخر من الدهون يعرف بالأحماض الدهنية العابرة أو اختصارا الدهون العابرة (trans fat). بل يرى هؤلاء أن وجود الدهون المشبعة في الطعام يعتبر في الحقيقة إضافة غذائية صحية، إذا ما ترافق مع اختفاء الدهون العابرة تلك من الغذاء. هذه الدهون العابرة كما يدل اسمها، هي دهون في مرحلة ما بين التشبع وعدم التشبع. وتوجد الدهون العابرة بكميات ضئيلة جدا في البيئة الطبيعية، وتلعب دورا مهما في العمليات الحيوية، وخصوصا فيما يتعلق بجهاز المناعة. ولكن ما حدث في العقود الأخيرة، أن مصانع المنتجات الغذائية أصبحت تنتج كميات ضخمة من الدهون العابرة، من خلال التشبيع الجزئي للدهون، ودون إكمال تحولها إلى دهون مشبعة. وتقوم مصانع المنتجات الغذائية بهذه العملية، بهدف إطالة عمر منتجاتها، والحفاظ على النكهة. هذا بالإضافة إلى أن تحويل الدهون إلى دهون عابرة، يرفع من درجة ذوبانها ويجعلها قريبة في الخصائص من السمن الطبيعي، ولكن بثمن بخس مقارنة بالسمن الطبيعي. وأشهر منتجات هذه العملية، هو ما يعرف بالسم