ضمن فورة التركيز إعلاميا ورسميا على مسألة توطين الوظائف، الملاحظ أن هناك غيابا تاما لأي بيانات أو إحصاءات حقيقية حول معدلات البطالة، فالأرقام متضاربة ومتفاوتة بشكل لافت وهائل، بل إن هناك من يدحض فكرة وجود بطالة بين المواطنين من الأساس، وهناك من يتحدث عن معدلات بطالة لا تتجاوز 3%. وأحد أبرز أسباب هذه المشكلة أن الأرقام المعلنة تنسب غالبا إلى جهة واحدة هي هيئة "تنمية" باعتبارها الجهة المنوط بها ملف التوطين، والهيئة من جانبها تعتمد على حصر أعداد المواطنين المسجلين لديها، ما يعني أن الأرقام التي تعلنها تقتصر على شريحة معينة ويصعب الاعتماد عليها علميا في تشخيص الظاهرة. ربما يكون التعداد المتوقع إجراؤه خلال الفترة المقبلة احد مداخل التعامل مرحليا مع البطالة وحصرها إحصائيا، ولكن التعداد لن يغني عن البحث عن آليات أخرى فاعلة تستهدف رصد هذه الظاهرة المتغيرة ـ صعودا وهبوطا ـ للتعرف إلى اتجاهات منحنى التشغيل. ولعل أحد أسباب هذا التفاوت في التقديرات أيضا أن هناك عدم اتفاق على التعريف الدقيق لمفهوم البطالة، وهل يشمل هذا المفهوم الباحثين عن فرص عمل أفضل؟ أم يقتصر على من لا عمل لهم؟ وهل يمكن إدراج من حصلوا على وظائف يمكن اعتبارها "موسمية" أو لفترات محددة ضمن فئة العاطلين أم لا؟ وهذا اللغط في التصنيفات يمكن الخروج منه بالتعرف إلى مدى اهتمامنا بمسألة الرضى الوظيفي، ومدى حيويته للاستفادة من القوى العاملة المواطنة بشكل أفضل. والمؤكد أن تعددية تعريفات البطالة ليست حصرا على دولة الإمارات، فالقضية مثارة في معظم دول العالم رغم وجود تعريف دولي للبطالة تمت صياغته من جانب من المنظمات المتخصصة، ولكن ما يحدث أن تعريف الظاهرة يخضع لمتغيرات عدة في محاولة للتقليل من حجم الظاهرة.
اللافت أن جميع المعلومات المتداولة سواء حول البطالة أو غيرها من الظواهر المجتمعية يغيب عنها دور الهيئة العامة للمعلومات، التي أنشئت منذ فترة طويلة، وكان إنشاؤها خطوة تتماشى مع متغيرات العصر ومتطلبات صناعة القرار السليم، ولكن يصعب تلمس أي دور فاعل للهيئة في الحصول على المعلومات الدقيقة، وبناء قاعدة معلومات نبدو في أمس الحاجة إليها في مختلف المجالات. والسبب في ذلك يعود بالأساس إلى غياب التنسيق والتعاون الحقيقي بين مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية وهو ما سبق أن نبه إليه معالي د. علي الكعبي وزير العمل والشؤون الاجتماعية حين تحدث عن "الجزر المنعزلة" في الأداء الحكومي.
المفروض أيضا أن يكون لدينا حصر دقيق وبيانات واضحة حول فرص العمل المتاحة في المجال الحكومي خلال السنوات المقبلة، بحيث يتم تحديد هذه الأرقام بناء على خطط العمل والتطوير والميزانيات المعتمدة والتوقعات الإحصائية، وبما يوفر صورة واضحة حول قدرات القطاع الحكومي على الاستيعاب الوظيفي حتى لا نتحدث في فراغ ولا يخرج الأمر عن المناشدات والخطب الرنانة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية