نشرت صحيفة "الاتحاد" أمس تحقيقا صحفيا حول ما يمكن وصفه اصطلاحا بظاهرة الأبحاث سابقة التجهيز أو الأبحاث "المعلبة"، وحذر التحقيق من تزايد معدلات التهافت على شراء هذه الأبحاث "التيك آواي" من جانب الطلاب، واستخدامها في الحصول على درجات علمية مرتفعة لا تعبر عن مستوى تحصيل علمي حقيقي، وتقدم صورة خادعة أو مزيفة للمستوى التعليمي لهؤلاء الطلاب. وتعليقنا ليس على خطورة هذه الظاهرة ليس فقط لأن التحقيق قد تناول مظاهر خطورتها وحذر منها باستفاضة، ولكن لأننا سبق وأن حذرنا في هذه الزاوية مرات عدة من خطورة تفشي هذه الظاهرة السلبية التي تضرب النظام التعليمي في الصميم. ولكن أكثر ما يلفت انتباهنا في تناول "الاتحاد" لهذه الظاهرة هو حدود تأثير ماتنشره الصحف من تعليقات وملاحظات في تغيير اتجاهات الجمهور أو القراء، وإلى أي مدى تؤخذ هذه التعليقات بجدية من الجمهور والجهات المعنية ذات العلاقة بما ينشر وما يطرح من رؤى صحفية نقدية. فالواضح أن هناك قضايا مجتمعية كثيرة تطرح ولكن لا يقابلها "رجع صدى" أو تأثير عكسي، وليس واضحا ما إذا كانت هناك دراسات منهجية جادة تجرى بالفعل لقياس أو التعرف إلى حدود تأثير وسائل الإعلام المحلية في تغيير الاتجاهات، وإلى أي مدى تغيرت النظرة التقليدية السائدة لدى الكثيرين من القراء الذين يتعاملون مع ماتنشره الصحف باعتباره "كلام جرايد".
الواضح ظاهريا أن هناك نوعا من "حوار الطرشان" ينعكس في غياب التفاعل مع معظم ماتنشره الصحف من تحقيقات وتغطيات وتعليقات حول القضايا المحلية، وبالتالي يبدو أن الصحافة لم تحقق الكثير بالنسبة إلى ممارسة واحد من أهم أدوارها على الإطلاق، وهو تغيير الاتجاهات وبناء رأي عام تجاه قضايا معينة. والواضح ظاهريا أيضا أن التفاعل مع الأخبار يفوق التفاعل مع أي مواد صحفية أخرى منشورة ربما بسبب اتجاهات المقروئية ومعدلاتها واهتمامات القراء وغير ذلك من عوامل تحتاج إلى بحوث دقيقة من جانب المتخصصين في مجال الإعلام. فالصحف تتحدث عن ظواهر سلبية مجتمعية عدة، ولكن من الصعب أن تجد صدى حقيقيا لذلك، ولذا تعاود الصحف الكرة وتسقط في فخ التكرار وتفتح الملف الواحد مرات عدة وربما من الزاوية نفسها وتطرح الآراء ذاتها، ويصبح التناول في هذه الحالة مملا لمن سبق وأن تعرض إعلاميا للموضوع، ولكن الصحف في هذه الجزئية تحديدا بريئة لأنها تسلط الضوء على ظاهرة سلبية تتواصل وتتفاقم من دون علاج أو حتى مؤشرات على تراجعها. وعلى سبيل المثال، هناك تحذيرات سابقة من "الدكاكين" التي تتاجر في التعليم وتبيع أبحاثا جاهزة وتستغل شرائح معينة وتستنزف جيوبهم على حساب النظام القيمي والاجتماعي، ولكن لا أحد تحرك ضد هذه الممارسات التي تتوسع وتنتشر مثل "الفيروس"، وتنشر إعلاناتها في كل مكان ضاربة بـ "كلام الجرايد" عرض الحائط!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية