تحت عنوان "تطبيق الشريعة بين الأيديولوجيا والمصلحة"، نشرت "وجهات نظر" يوم الأربعاء 18-5-2005، مقالاً للدكتور خالد الدخيل، تضمن فرضيات تحتاج إلى تحقيق، كونه يهدف إلى القول بأنَّ الشريعة لم تتجاوز الإطار الأيديولوجي. ولا تعدو أن تكون افتراضاً لم يتحقق، ومجادلة أخلاقية مثالية، لم يثبتها الواقع التاريخي، مع افتقارها إلى نموذج سياسي، وعدم صلاحيتها كبديل للعلمانية. وللتدليل على مقولاته طرح الكاتب وقائع ونصوصاً لا تؤيد ما ذهب إليه. وفي تقديري أن المقابلة بين الشريعة والعلمانية غير منطقية، فالشريعة تتضمن مجموعة مبادىء وقيما، تنبني عليها نظم متنوعة(أيديولوجيا)، بينما العلمانية حركة اجتماعية تنادي بابعاد الدين عن تنظيم حياة الناس، وفيما عدا ذلك قد يتبنى دعاتها أيديولوجيات مختلفة ونظماً متباينة.
كما إن القول بأنَّ الشريعة مجرد فرضيات لم تتحقق في أرض الواقع، غير صحيح، بل إنَّ مبادىء الشريعة في السياسة والاقتصاد والاجتماع تنزلت على واقع المسلمين بكيفيات متنوعة ودرجات متفاوتة، وما التراث الفقهي للمسلمين إلا انعكاس لتلك المبادىء والقيم التي جاءت بها الشريعة، في فترات تاريخية عدة.
لم يدرك الكاتب الهدف من الحوار الذي دار في السقيفة، والحكمة من تنوع طرق اختيار الخلفاء الراشدين. فلا يدل ذلك، كما ذهب، على عدم وجود إجابة واضحة لقضية السياسة في الشريعة، وإنما يدل على أن السياسة من الجوانب المرنة في الشريعة. ووضعت لها الشريعة مبادىء عامة (الشورى والعدالة والمساواة، والبيعة) وتركت للمسلمين اختيارالآليات الملائمة لتطبيقها وفقاً لطبيعة مجتمعاتهم. وتحول الخلافة إلى ملك عضوض ليس تطوراً طبيعياً لقيم الشريعة، كما زعم المقال، وإنَّما كان خروجاً على أهم مبادئ الشريعة (الشورى). ومن هنا كان تحذير الرسول عليه الصلاة والسلام من الانحدار إليه.
الكاتب خلط بين هوية الدولة، والشريعة والأمة والمجتمع،من خلال إصراره على أن الشريعة، وليست الأمة هي مصدر السلطات، وأن ذلك يؤدي إلى حصر مصدر هذه الهوية في النخبة. وهذا فهم غريب للقضية كلها؛ فمن المعلوم أن الشريعة الإسلامية هي التي تصوغ هوية الأمة، وللأمة الإسلامية أفراداً وجماعة دور في ذلك كله، من خلال الاجتهاد والإجماع. والأمة هي التي تمارس السلطات السياسية لتحقيق مصالح العباد والبلاد.
د. أحمد محمد أحمد الجلي- جامعة أبوظبي