أحداث الشغب التي حدثت مؤخرا في أوزبكستان، ثم ما حدث في أفغانستان وباكستان من مظاهرات وتخريب على خلفية قصة تدنيس القرآن الكريم في قاعدة غوانتانامو أعادت إلى الواجهة ما يسمى بحزب التحرير الذي اتهمته أوزبكستان بالوقوف خلف الحدث الأول واتهمته جهات مخابراتية إقليمية بلعب دور المنظم والمؤجج في الحدث الثاني.
ما يعرف عن هذا الحزب قليل قياسا بما هو معروف عن غيره من الحركات الإسلامية المتشددة. ما هو مؤكد عنه لا يتعدى أنه تأسس ابتداء في القدس في عام 1953 على يد الشيخ الفلسطيني تقي الدين النبهاني وعلى خلفية نكبة فلسطين التي زعم النبهاني أنها ما كانت لتحصل لو أن دولة الخلافة الإسلامية باقية. ووفق هذا المنظور اتخذ الحزب من مسألة إحياء دولة الخلافة هدفا مركزيا، واستطاع عبره جذب الأتباع من مصر وبلاد الشام وشمال أفريقيا، قبل أن تظهر له واجهات وفروع. أحد التصورات يزعم أن قاعدة الهرم التنظيمي للحزب مكونة من خمس خلايا رئيسية لا تتصل اثنتان ببعضهما مباشرة، وأن قيادته مكونة من أمراء هذه الخلايا فيما يتولى أحدهم منصب أمير التنظيم الأعلى. أما عن مصادر تمويله فهناك اعتقاد بأنه يعتمد على أثرياء متشددين من الشرق الأوسط أو ممن يعيشون في أوروبا. كما قيل في وقت من الأوقات إنه حظي بدعم مالي من زعيم القاعدة الفار أسامة بن لادن. وحول أساليب عمله قيل إنه يكفي النظر إلى الطريقة التي يتحرك وفقها أتباعه في باكستان وضمن الجاليات الإسلامية في بريطانيا والقائمة على تحريض المسلمين وشحنهم من خلال الجوامع والأندية وعبر المنشورات والكتب وشبكة الإنترنت. وهذا يتوافق مع ما يقوله الناطقون باسم الحزب من أنه لا يستخدم العنف لتحقيق أهدافه. غير أن هناك شواهد كثيرة تدل على أن عمله هذا يجري بالتوازي مع أنشطة مسلحة تقوم بها واجهات ميليشاوية تابعة له.
يمكن القول إن حزب التحرير لا يملك برنامجا سياسيا متكاملا للحكم، وهو يكتفي بشعار أن "الإسلام هو الحل". حيث أن التنظيم يختزل الحل لأزمات الأمة الإسلامية في إقامة دولة الخلافة الإسلامية الجامعة لكل المسلمين والمطبقة لأحكام الشريعة. وربما كان العنصر الوحيد الذي يميزه هو التركيز على باكستان كمنطلق مثالي لدولة الخلافة بسبب وضعها الجيوسياسي وتدين شعبها ومواردها الاقتصادية وقبل كل شيء قوتها العسكرية والنووية, حتى صار- طبقا لأحدى الدراسات- صاحب تأثير في المجتمع وله أتباع كثر من طبقة المتعلمين. في خطبة في لاهور في عام 2003 لأحد رموزه ويدعى عطا أبو رشدة قال المذكور إن الإسلام يواجه محنة عظيمة في أماكن كثيرة لا يمكن الخروج منها إلا بإقامة دولة الخلافة. أما الناطق الرسمي باسمه في باكستان "نافيد بط" فقد دعا في خطبة أخرى في المدينة نفسها والعام نفسه إلى اغتيال الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف بحجة أنه أهان الإسلام بقوله إن نظام الخلافة لم يعد مناسبا للعصر. والمعروف أنه بعد هاتين الخطبتين ألقت السلطات القبض على "نافيد بط" وغيره من رموز حزب التحرير في باكستان ووضع التنظيم على قائمة الجماعات المحظورة.
ورغم أنه لم يثبت ضلوع الحزب مباشرة في حادثتي اغتيال مشرف الفاشلتين في ديسمبر 2003 والتي اتهم فيهما عناصر من الجيش الباكستاني ومعارضون مرتبطون بتنظيم القاعدة، فإن بعض المراقبين لا يستبعدون تورطه مشيرين إلى أمرين: الأول هو أن الحزب دعا مرارا إلى ضرورة التخلص من مشرف. والثاني هو أن الحزب شدد على أن نظام الخلافة المقترح سوف يفشل إذا ظل الجيش معارضا أو بعيدا عن هيمنة الحزب، الأمر الذي يستنبط منه سعيه إلى زرع مناصرين له داخل المؤسسة العسكرية.
لا يعني ما سبق قوله إن الحزب غير معني بالتغلغل في مجتمعات إسلامية أخرى غير باكستان. فهو بدأ نشاطا قويا في تركيا، قاعدة دولة الخلافة الأخيرة، قبل نشاطه في باكستان، وذلك في الستينيات من القرن الماضي وعبر سلسلة من العمليات الإرهابية التي تصدى لها الجيش التركي بقسوة. وفي الثمانينيات وما تلاها من عقود تغلغل الحزب في صفوف المهاجرين المسلمين في الغرب وتحديدا في بريطانيا. وإلى جانب بريطانيا نشط الحزب في ألمانيا التي فرضت حظرا عليه قبل فترة واعتقلت بعض أتباعه بتهمة الإساءة للسامية. وفي الدانمارك التي اعتقلت سلطاتها المتحدث الرسمي باسمه فادي عبداللطيف بتهمة خرق القوانين المحلية والتحريض ضد اليهود، وفي روسيا التي حظرت أنشطته واعتقلت 55 من أعضائه من جنسيات مختلفة في يونيو 2003 وفي حوزتهم متفجرات وقنابل يدوية ومطبوعات تحريضية.
غير أن نشاط الحزب الأهم بعد باكستان كان ولا يزال في آسيا الوسطى. فهو استفاد من سقوط الاتحاد السوفييتي وما تبعه من نشوء كيانات مستقلة وضعيفة وذات أغلبية مسلمة متحمسة للرجوع إلى الدين. وهكذا بدأ حزب التحرير الانتشار في هذه الدول ابتداء من أوائل التسعينيات متخذا من وادي "فرغانه" في أوزبكستان قاعدة لنشاطه. وسرعان ما استطاع التحول إلى قوة معتبرة، وهو ما تسنده تقارير المخابرات المحلية والأجنبية