هل تراجعت أولوية القضية الفلسطينية؟ نعم تراجعت، وأول النخب الحاكمة والتي تجتمع رسمياً في مجالس جامعة الدول العربية على مستوى القمة. فقد قالوا في قمتهم في أنشاص بمصر (28-29/5/1946) إن فلسطين قطر عربي لا يمكن أن ينفصل عن الأقطار العربية الأخرى، إذ هو القلب في المجموعة العربية، وإن الصهيونية خطر داهم ليس لفلسطين وحدها بل للبلاد العربية والشعوب الإسلامية جميعاً. وقرروا دعم الشعب الفلسطيني. وفي القمة الأولى (القاهرة 13-17/1/1964) اعتبر الملوك والرؤساء قيام إسرائيل هو الخطر الأساسي الذي أجمعت الأمة على دفعه، وقرروا إنشاء قيادة موحدة لجيوش الدول العربية.
وحددوا في قمتهم الثانية (الإسكندرية 5-11/9/1964) أن الهدف العربي في المجال العسكري ذو مرحلتين: هدف قومي نهائي وهو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وهدف أولي عاجل، وحددت مستلزمات الهدف القومي النهائي. ثم يصبح هذا الهدف القومي في الخرطوم (القمة الرابعة 29/8- 1/9/1967) معبراً عنه أن لا صلح ولا تفاوض مع إسرائيل ولا اعتراف بها. ثم عادت القمة السادسة (الجزائر 26-28/11/1973) فتحدثت عن التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو 1967. وهكذا طوي الهدف النهائي. ويعتبر هذا أول تراجع للقمة في القضية الفلسطينية، دون الإشارة إلى الإصرار على تحرير مدينة القدس والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعاً، وهي جوهر الصراع مع العدو الصهيوني (قمة بغداد 2-5/11/1978).
وفي قمة تونس (20-22/11/1979) شكلت لجنة تساعية انتهت إلى الالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، واعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها. وفي القمة الحادية عشرة (عمان، 25-27/11/1980) صادق المجلس على ميثاق العمل الاقتصادي القومي واستراتيجيته والاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية وعقد التنمية العربية المشتركة. وفي الميثاق قرر المؤتمر التمسك بقرارات قمتي بغداد وتونس وألا يقبل أي حل إلا إذا اقترن بقرار من مؤتمر قمة عربي يعقد لهذه الغاية.
ويبدو أن التراجع الثاني تمثل في قمة فاس المستأنفة (الدورة الأولى 25/11/1981، والدورة المستأنفة 6-9/9/1982) حينما اعتمدت 8 مبادئ بعد أن أعلنت مساندتها للشعب الفلسطيني وأثبتت قدرة الأمة العربية على تحقيق أهدافها المشروعة وإزالة العدوان وأكدت القمة دعمها وتأييدها للمنظمة وحيت صمود الشعب الفلسطيني. وفي قمة الجزائر (الجزائر، 7-9/6/1988) جرى دعم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية. وفي قمة الدار البيضاء (الدار البيضاء، 23-26/5/1989) تم تسديد 128 مليون دولار وأيدت القمة قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته 19، وأن أي تسوية يجب أن تتضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط. وفي قمة بغداد (بغداد، 28-30/5/1990) تقرر ضرورة اتخاذ التدابير الفعالة لتوفير الإمكانيات الدفاعية اللازمة ودعم الانتفاضة ومساندتها وتشجيع استيراد المنتجات الزراعية الفلسطينية.
عقدت القمة (القاهرة 9-10/8/1990) مؤتمراً خاصاً في القاهرة بشأن العدوان العراقي على دولة الكويت. وعقدت القمة مؤتمراً بعد ذلك في القاهرة (21-23/6/1996) وأعلنت أن تمسكها بمواصلة عملية السلام لتحقيق السلام العادل والشامل هو هدف وخيار استراتيجي يتحقق في ظل الشرعية الدولية، أي في ظل قراري مجلس الأمن 242 (22/11/1976) و338 (22/10/1973) وما يماثلهما من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وبخاصة ما يتعلق بالقدس والمستعمرات والاستيطان والحدود في الأراضي العربية المحتلة كالجولان. هذا ولم يحدد البيان الختامي لهذا المؤتمر آلية لتحقيق السلام العادل والشامل بعد أن جعل هذا السلام هدفاً وخياراً استراتيجياً.
ويبدو التراجع الثالث في نص "مبادرة السلام العربية" التي أعلنتها قمة بيروت في 28/3/2002. وكان قبلها مؤتمر مدريد (30/10/1991) الذي انعقد على أساس الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام. ويبدو التراجع الرابع في قبول المشروع الأميركي "خريطة الطريق" الذي لم يعترض عليه مؤتمر قمة قط، وقبلته اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، الاتحاد الروسي، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة)، وأجلته الولايات المتحدة حتى 2006، وفيه رؤية أميركية لدولتين تتعايشان في فلسطين. والأمور التالية مؤجلة للتفاوض: الحدود، القدس، اللاجئين. مع العلم أن قمة تونس (22-23/5/2004) أعلنت التزامها بمبادرة السلام العربية نظراً إلى أنها لا تتعارض مع قواعد الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام.
وهكذا فنحن بين قرار قمة بيروت وبين "خريطة الطريق" إضافة إلى أن الجو العام السياسي يفرض شروطه على مجالس القمة العربية.