أثار نشر مجلة "نيوزويك" تقريراً، ذكر أن مصادر موثوقة في وزارة الدفاع لم تعترض على فحواه، ونص على أن القرآن الكريم قد دنس من قبل جنود الاعتقال في سجن جوانتانامو، وأن بعضهم ربما قد قذف به في الحمامات. أثار هذا التقرير غضب العالم الإسلامي أجمع، وعمت المظاهرات كلاً من باكستان والهند وأفغانستان وإندونيسيا وقطاع غزة. وقد تعرضت المجلة لضغوط حكومية أميركية، مما حدا بها إلى الاعتذار عن ذلك في عددها اللاحق، ولم تذكر أن مثل هذه الحادثة لم تحدث قط بل إنها قالت "إن تقريرها عما قيل من قيام المحققين بهذه الأعمال لم يكن دقيقاً". ونتيجة لانتشار هذه الأخبار السيئة والمحزنة والجارحة لمشاعر الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، فقد قامت مواجهات بين المتظاهرين والشرطة في عدد من البلدان الإسلامية، قتل خلالها قرابة مئة شخص.
وتظهر هذه الحادثة عودة العنصرية البغيضة التي بدأت تطل برأسها بعد انقضاء خمسين عاماً من تلاشي الحركة النازية. فالحركات العنصرية الجديدة ضد العرب والمسلمين لم تعد حركات مهمشة اجتماعياً، بل إنها تحصل على دعم من بلدان متعددة. ويتبوأ هؤلاء العنصريون مراكز متقدمة في دوائر صنع القرار وفي صفوف الجنود الذين يمارسون هواياتهم القذرة على السجناء والمعتقلين في معتقلات كثيرة بدءاً من أبو غريب وليس انتهاء بخليج جوانتانامو. ومثلما كانت العنصرية ضد اليهود والأقليات الأخرى مقبولة في أوروبا قبل نصف قرن، فإن حلم العالم بتلاشي هذه الظاهرة المقيتة لم يتحقق للأسف.
فبعد أن كان العرب والمسلمون يعانون مما يسمى بالتجاهل غير المقصود، قبل أحداث 11 سبتمبر، أصبح العرب والمسلمون يعانون من العنصرية الموجهة ضدهم بعد تلك الأحداث المقيتة. وتتشدق بعض الدول بأنها تحارب الإرهاب، ولكن للأسف فإن تعريفها للإرهاب يقتصر فقط على الحركات الإسلامية. فقد أصبح الإسلام العدو اللدود الذي فاق في مخاطره الأعداء السابقين من الشيوعيين والقوميين الوطنيين. وقد أصرت وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك وسائل الإعلام العربية على نفخ أبواق الخوف والوجل من كل ما هو عربي أو مسلم. حتى يخيل للمرء أن المسلمين على وشك الإطباق على مقدرات العالم. مع أن الحقيقة هي أن غالبية العرب والمسلمين يعيشون تحت خط الفقر، ويكافحون للحصول على لقمة العيش التي تأتي غالباً من صدقات خارج حدود الدول التي يعيشون في كنفها.
وحتى الزكاة التي تعتبر ركناً من أركان الدين الإسلامي أصبح موضوع تحصيلها اليوم وصرفها على مستحقيها من هؤلاء الفقراء والعجزة موضع جدل. صحيح أن هناك أقلية في العالم الإسلامي تميل إلى العنف، وصحيح أن بعض أعضاء تلك الجماعات لا يعترفون بحرمة البشر. ولكن تلك الفئة الضالة، تقابلها فئة ضالة أخرى تفننت في احتلال أراضي العرب والمسلمين وجعلت من أولوياتها تشويه سمعتهم تمهيداً للقضاء عليهم، واحتلال أراضيهم وموارد بلادهم.
الاستعمار الجديد يتدثر بمحاربة الإرهاب للقضاء على أي شوكة أو سلطة سياسية مستقلة، خاصة إذا ما كانت تلك السلطة ذات طابع عربي أو إسلامي. والحقيقة أن مثل هذا التوجه غريب بعض الشيء، فإذا كنا مواطنين داخل تلك الإمبراطورية، فإننا لا نطمح في تعيين زعيم تلك الإمبراطورية، أو حتى المشاركة في صنع القرار داخلها، ولكننا نطمح بأن تعاملنا الإمبراطورية بنفس المعيار الذي تعامل به مواطنيها في أرجاء المعمورة.
والحقيقة أن قوانين الإمبراطورية لم تعد تخضع للقانون الدولي، فحبس الأفراد وكلهم من المسلمين في جوانتانامو وأبو غريب وغيرهما من سجون الإمبراطورية الممتدة من أفغانستان إلى غيرها من البلاد الإسلامية، أمر غير قانوني. فالقانون الدولي يعامل أسرى الحرب طبقاً لقوانين بدأ في تطبيقها منذ عام 1948. وتخضع لشروط ومعايير من ضمنها ضرورة تحديد التهم الموجهة إليهم ومحاكمتهم علنياً، وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، ومنع حبس الأحداث دون سن الثامنة عشرة من العمر، وكذلك تأمين كافة الحقوق والمستلزمات الإنسانية لهم أثناء الاعتقال.
ومثل هذه الشروط تنص عليها القوانين الأميركية أيضاً التي ضمنها الدستور الأميركي، وعلّقت قبل ثلاث سنوات عبر ما سمي بقانون حماية الأمن الوطني الداخلي. وللأسف فإن العسكريين المهيمنين على وزارة الدفاع أداروا ظهورهم لمثل هذه القواعد القانونية الملزمة لجميع الدول، بما في ذلك للولايات المتحدة نفسها وموظفيها الذين يقترفون مثل هذه الأعمال الوحشية بحق أسرى الحرب. والإشكالية الكبرى أن الولايات المتحدة قد علّقت موضوع إلزام مسؤوليها بمثل هذه القواعد القانونية، وهي في الوقت ذاته لا تقبل بأن يفرض عليها المجتمع الدولي القواعد القانونية الدولية الملزمة. بل إنها توقع اتفاقيات مع بعض الدول الأوروبية لإعفاء قادتها العسكريين من أي احتمال لملاحقات قانونية من قبل محكمة الجزاء الدولية، وغيرها من المحاكم المختصة بمثل هذه المخالفات والجرائم.
الأمر الآخر هنا هو