من الغريب جداً أن يمر أسبوعان كاملان على التقرير الذي نشرته مجلة "نيوزويك" في عددها الصادر 10/5/2005- اعتبرته غير صحيح فيما بعد- حول موضوع تدنيس القرآن الكريم الذي قام به الجنود الأميركيون في سجن قاعدة خليج غوانتانامو، بوضع نسخ من القرآن الكريم في الحمامات وإنزال إحدى نسخ القرآن في مجاري الحمام، بهدف إهانة دين المعتقلين المسلمين هناك. ولم نسمع تكذيباً أو نفياً من الإدارة الأميركية فيما جاء في هذا التقرير، إلا بعد أن ثار بركان الغضب الإسلامي في أفغانستان والعديد من العواصم الإسلامية، وخرجت المظاهرات الغاضبة في الشارع تطالب أميركا بالاعتذار. هنا فقط ظهرت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية لتقول لنا كلمات طالما سمعناها كثيراً في السابق عند كل أزمة تتم فيها إهانة الدين الإسلامي وهي: نحترم الكتب المقدسة للديانات الكبرى في العالم، وعدم احترام القرآن هو في نظرنا جميعاً أمر مشين، حرية الديانات للجميع هي من المبادئ المؤسسة للولايات المتحدة.
وينتهي التصريح بتحميل المسلمين الاتهام بأنهم يستخدمون هذه القضية من أجل تأجيج مشاعر العداء للولايات المتحدة وتشويه نواياها. وركزوا معي على كلمة نواياها، رغم أن الموضوع منشور في مجلة أميركية منذ أسبوعين ومنسوب إلى جهات حكومية موثوق بها ولم يعترض عليه أحد. وهذا الموضوع ليس بجديد. فقد سبق وأن أعلن عنه العديد من السجناء الذين أطلق سراحهم من سجن غوانتانامو. وقد نشرت صحيفة الـ"أوبزيرفر" البريطانية في شهر يناير أحد هذه الاعترافات التي تحدث فيها البريطاني "معظم بك" قائلاً إنه تعرض لتعذيب شديد، فقط لأنه أقدم على تلاوة القرآن، وإن جندياً أميركياً ألقى مصحفاً في الحمام. وأكد هذا الأمر أيضاً "إبراهيم بنشقرون" معتقل مغربي سابق في سجن غوانتانامو لصحيفة "التجديد" المغربية الصادرة في 16/5/2005 عندما قال: إن إهانة المصحف من قبل الجنود والمحققين الأميركيين لم تكن فقط في قاعدة غوانتانامو، بل كانت في قاعدة باغرام وسجن قندهار في أفغانستان، وإن الجنود الأميركيين كانوا يقومون بتمزيق القرآن ورميه في الحمام، وكانت هذه العملية تتكرر عند كل لحظة تفتيش، وكنا نقول دائماً للأميركيين إن إهانة المصحف هي إهانة للأمة الإسلامية جمعاء، فكان ردهم إن الإرهاب الذي ترتكبونه مصدره هذا الكتاب.
المسألة إذاً ليست في موضوع نفي الإدارة الأميركية أو اعترافها بهذا التقرير، المسألة في تصوري أبعد وأخطر من ذلك، وهي تتكرر في ثقافة الكراهية والتحريض المستمرة في الغرب ضد الإسلام والتي يتغذى عليها المواطن الغربي ليل نهار. ومن يراجع أدبيات الفكر السياسي ومناهج التعليم والإعلام الغربي والأميركي يجد في داخلها كماً هائلاً من المصطلحات "المفخخة" بأشد أنواع التحريض ضد الإسلام. والرئيس الأميركي نيكسون حذر الغرب في كتابين: "نصر بلا حرب"، و"انتهزوا الفرصة من خطر الإسلام". والرئيس جورج بوش أعلن بكل وضوح "إنها حرب صليبية"، والمفكر الأميركي صمويل هنتينغتون وضع نظريته العدائية "صدام الحضارات" كأساس لهذه الاستراتيجية التي تمارس اليوم ضد الإسلام والمسلمين. ووثيقة العمل الأميركي تجاه السعودية ومصر التي عرضت على مجلس الشيوخ الأميركي، كانت تطالب بوقف طباعة القرآن، والمذكرة التي عرضها أحد أعضاء الكونجرس البارزين على وزارة الخارجية الأميركية والتي تحمل توقيع ثلاث منظمات يهودية، كانت تنص على ضرورة هدم الكعبة أثناء فترة الحرب على العراق، وتقول إن مناسك الحج إلى الكعبة أخطر المناسك. ووصلت إلى حد طرح قرآن أميركي يسمى "الفرقان الحق" للإساءة للقرآن الكريم. أما المجلس الأوروبي فقد طلب من تركيا التوقف عن تدريس الدين الإسلامي في المدارس بشكل إلزامي، وحذف الديانة من بطاقة الهوية شرطاً لانضمامها إلى أوروبا. هذا غير التقارير التي تشير إلى ارتفاع نسبة حوادث الكراهية ضد المسلمين في الغرب.
هذا الكمّ الهائل من ثقافة الحقد والتحريض والكراهية التي يتغذى عليه الفرد الغربي كل يوم، هو الذي جعل الجندي الأميركي يصل إلى حالة الانتقام والحقد الشديد ضد الإسلام والقرآن، ودفعه إلى أن يمارس هذه الهمجية والوحشية ضد القرآن والمعتقلين المسلمين.