ربما يكون أشهر رجل في العالم في الوقت الراهن هو "هيو جينتاو"، الذي كنا قد بدأنا نتبين أبعاد شخصيته كزعيم بشكل أفضل، وتوصلنا إلى أنه من نوع الزعماء المخيب للآمال. والرئيس هيو - أكثر من أي شخص آخر- هو الذي سيحدد ما إذا كانت الصين ستكون قادرة على مواصلة صعودها أم لا؛ وما إذا كان ذلك الصعود سيكون مستقرا وسلميا أم أنه لن يكون كذلك.
ومنذ أن قفز "هيو" إلى الصفوف العليا في الحزب الشيوعي الصيني، ثارت مناقشات محتدمة حول ما إذا كان الرجل ينتمي إلى نمط الزعماء المصلحين أم إلى نمط الزعماء المتشددين?. ويمكن لنا الآن، وبعد أن مضى على الرجل قرابة عامين ونصف كزعيم للحزب الشيوعي الصيني، أن نتوصل إلى استنتاج هو أن الفريق الذي قال إنه ينتمي إلى نمط الزعماء المتشددين، كان على صواب. فالرئيس "هيو", كما يبدو لنا الآن هو رجل مستبد بالفطرة، يؤمن بتعزيز أدوات القمع وليس تخفيفها. والشيء الأكثر إثارة للإزعاج، هو أنه قد جر الصين إلى الوراء سياسيا، وذلك عندما أمر بشن حملات قمع مستمرة على المعارضة، ووسائل الإعلام الخبرية، والدين، ومنتديات الإنترنت، ومراكز الدراسات والبحوث وملأ السجون الصينية بأعداد من الصحفيين تفوق تلك الموجودة في أية دولة أخرى.
ونحن في صحيفة "نيويورك تايمز" جربنا ذلك القمع الصيني بشكل مباشر، وذلك عندما قامت السلطات الصينية بإلقاء القبض على "زهاو يان"، الصحفي الصيني الذي يعمل في مكتبنا في بكين، في شهر سبتمبر الماضي وزجت به في السجن، لماذا؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين، لأن "زهاو" لم يحاكم على الإطلاق، كما أن أفراد عائلته ومحاميه، لا يعرفون عنه شيئا.
من ناحية أخرى تعرضت صحيفة "نانفانج بوشي باو"، التي كانت تعتبر من أكثر الصحف الصينية جرأة وجسارة إلى قمع السلطة، وذلك عندما قامت بنشر خبر قالت فيه إن طالبا جامعيا تعرض للضرب حتى الموت على أيدي الشرطة لأنه لم يكن يحمل هوية للتحقق من شخصيته. فبعد نشر هذا الخبر تم القبض على المحررين اللذين أوردا الخبر وحكم عليهما بالسجن لمدد طويلة وهو ما جعل الصحف الصينية الجريئة تخفف من لهجتها وتلتزم جانب الحذر.
والرئيس "هيو" رجل يتمتع أيضا بموهبة استخدام عبارات الدعاية من الطراز القديم. فمما يذكر في هذا السياق أنه قد أصدر بيانا قال فيه إنه على الرغم من "أن كوريا الشمالية قد ارتكبت أخطاء اقتصادية إلا أن أفكارها السياسية تعتبر سليمة في حد ذاتها". وعلى رغم ذلك فإن السياسة القمعية التي ينتهجها الرئيس "هيو" لم يكن لها سوى تأثير محدود، لأن الصين الآن أصبحت أكثر تعقيدا وأكثر انفتاحا أمام العالم, بحيث لا يمكن لأحد أن يسيطر عليها بشكل كامل. فالناس هناك يقومون الآن باستئجار محامين للدفاع عنهم، كما أن حكم القانون يضيق الخناق على المسؤولين.
"لم يعد بمقدورهم أن يتحكموا في كل شيء كما كان الأمر من قبل", هذا ما قاله لي أحد الصينيين المرتبطين بعلاقات وثيقة بزعماء البلاد, وقال لي أيضا مشيرا إلى قادة البلاد:"إنهم الآن يبدون كفرق الإطفاء، ما أن يطفئوا حريقا في مكان ما حتى يفاجأوا باندلاع عدة حرائق أخرى".
على الرغم من أن الرئيس "هيو" مخيب للآمال في رؤيته السياسية، إلا أنه على ما يبدو أكثر صلابة في مجالات أخرى. ففي مجال العلاقات الخارجية، نجد أن أداءه كان جيدا حيث قام بتحسين علاقاته الخارجية بالدول الأخرى إلى حد كبير. فبالإضافة إلى اليابان والسودان، قام "هيو" أيضا بمشاغلة كوريا الشمالية بشأن الموضوع النووي، بشكل أفضل مما فعل سلفه في المنصب، ونجح على الأقل في صياغة سياسة متماسكة نحوها، وهو ما لم تقم به إدارة بوش حتى الآن.
وعلى الرغم من أن "هيو" يميل بغريزته إلى التخطيط المركزي، إلا أنه رجل براجماتي بشكل عام، علاوة على أنه يساهم بنصيب في المستقبل الاقتصادي لبلاده من خلال ابنته الوحيدة "هيوهيكنج"، التي تتمتع بخبرة في عالم الأعمال الفائقة التقنية، والمتزوجة من أحد أباطرة الانترنت وهو "دانيل ماو" المتخرج من جامعة ستانفورد. وربما أن إحدى أهم الخطوات التي خطاها "هيو" هي تلك الخاصة بمعالجة الفقر في المناطق الريفية، ومعاجلة المشاكل البيئية، بدلا من التركيز فقط على النمو الاقتصادي وإصلاحات السوق الجديدة. وهذا التحول إلى النمو الأكثر توازنا يعد تحولا ذكيا كان من المفترض أن يتم منذ زمن طويل.
في نفس الوقت، نجد أن خطوات الإصلاح الاقتصادي في الصين، قد تباطأت حتى كادت تصل إلى مرحلة الوقوف؛ كما أن التوقعات المتفائلة التي كانت تقول إن هناك إصلاحات كبرى على الطريق قد اختفت. وعلى الرغم من أن البعض يقولون إن الوقفة المؤقتة هذه تعد فرصة للصين كي تلتقط أنفاسها إلا أن الأمر يبدو أكثر عمقا من ذلك.
فالمشكلة الأساسية للرئيس "هيو" هي أنه يحاول تحقيق الاستقرار من خلال إحكام إغلاق الغطاء على إناء الضغط، على الرغم من أن الدرس الذي يمكنه استمداده من تجربة تايوان وكوريا الجنوبية هو ضرورة توسيع نطاق الحرية لتنفيس الضغط حتى لا ينفجر الإنا