من حق أي جهة حكومية أن ترد على ما تنشره الصحف، ومن حق هذه الجهة أيضا أن "تصحح" ما يرد بالصحف إذا كان ما تم نشره مجافيا للحقيقة، ولكن لا ينبغي للرد أن ينال من صدقية الصحافة أو يغذي الأفكار النمطية السائدة لدى الكثيرين وينصحهم بـ"الابتعاد عن تصديق كل ما يقال أو ينشر" لأن المسألة هنا لا تتعلق بصدقية تقرير معين بل بسمعة الأداء المهني للصحافة ككل، كما أن غرس هذه المفاهيم لدى الجمهور يمثل طعنا صريحا في الصحافة، ويبدو أن الدفاع عن مواقف معينة بات مقرونا دوما باتهام الصحافة بأن "ما عندها سالفة" أو تبحث عن الفضائح والشائعات وغير ذلك من أقاويل تنال من الصحافة كمهنة وتقلل من دورها المجتمعي. الصحافة المحلية ليست بريئة تماما بالطبع في أي جدل من هذا النوع، ولكن ما يمكن أن يقال عن تقصيرها يتمثل بالأساس في غياب ثقافة البحث والتحري عن المعلومة واحترام القارئ من خلال بذل الجهود واستكمال دائرة المتابعة المعلوماتية الجادة لأي موضوع قبل النشر، والإعلان والاعتذار عن أي خطأ من جانب الصحيفة ذاتها كي نتحدث بالفعل عن بناء ثقة واحترام متبادل بين الصحيفة وقرائها.
مناسبة هذا الحديث هي التوضيح الذي أصدرته الأمانة العامة للبلديات حول البلبلة التي حدثت في الأيام القليلة الماضية حول قائمة مزعومة نسبت إلى منظمة دولية متخصصة وتشمل أغذية مسرطنة يتم تداولها في أسواق الإمارات وغيرها من الدول، فالتوضيح حمل على الصحف واتهمها بنشر أخبار مغلوطة مع أن المصدر الأساسي للموضوع كان وكالة الأنباء الرسمية (وام) وتناولته أعمدة الرأي نظراً لما ينطوي عليه من خطورة وما يستحقه من اهتمام وما يثيره من فزع تلقائي، في حين تأخر رد فعل البلديات ولم تتعامل مع الخبر الذي تناقلته الهواتف المحمولة إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر من تداوله بطريقة كانت تستحق تعاملاً فورياً وجدياً للتأكد من صحة الخبر ومصدره. والمؤكد أن تحذير الجمهور من الانسياق وراء "الأخبار المغلوطة" هو أغرب ما في الموضوع برمته، فالجمهور في هذه الحالة يقع ضحية بين جهة رسمية تشكك في صدقية الصحافة من جهة، وصحافة يفترض أنها تقدم له معلومات دقيقة وتتعامل مع ما تنشره بمسؤولية. والخروج من هذه الإشكاليات يتطلب تعاملاً مغايراً، بحيث لا يتم التركيز على تبرئة الذمة ونفي الموضوع تبادل الاتهامات والتراشق بالكلمات والتأكيد على أن "كله تمام" والأغذية الصحية في أسواقنا تخضع للمراقبة وتتم مراجعتها بشكل دقيق، وبدلاً من ذلك ينبغي البحث عن خلفيات هذه النشرة المشبوهة وسرعة الاستجابة لهكذا خروقات وعدم الرهان على عامل الوقت في وأدها، انطلاقا من أن الخسائر المعنوية التي تسببها لدى الناس أخطر بمراحل من التشكيك في عمل الأجهزة المعنية وحتى من الخسائر المادية وتهديد سمعة بعض الشركات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية