أثار د. خالد الدخيل في مقاله "لماذا نرفض العلمانية؟" يوم الأربعاء الماضي عددا من القضايا المتداخلة حول العلمانية، وموقف المسلمين منها. فهو يتهم فهم المسلمين للعلمانية بالقصور، وحكمهم عليها بعدم الموضوعية، مؤكداً على التاريخ النضالي الذي أوصل أوروبا للعلمانية، التي استمتعوا في ظلها بالديمقراطية والحياة الكريمة. وليس من اليسير التعليق على كل تلك المسائل المتناثرة، ولكن بإيجاز شديد يمكن أن أقول ما يلي:
- لا أحد ينكر أنَّ العلمانية كانت نتيجة للصراع الذي دار بين الكنيسة التي مارست ألواناً من الطغيان الروحي والعقلي والفكري والعلمي على الناس في المجتمعات الأوروبية فهي إذن نتيجة لظروف خاصة مرت بها أوروبا.
- كان من الطبيعي أن يترك الناس في أوروبا الدين، الذي يحجبهم عن العلم، ويحجر عليهم التفكير وطلب المعرفة، ويفرض عليهم الذل والخضوع لرجال الإقطاع ورجال الدين. وأن تقيم العلمانية قيمها ومفاهيمها السياسية ونظمها الاجتماعية والاقتصادية بمعزل عن الدين الكنسي.
- لم يكن كل العلمانيين ملاحدة. فقد ظهر بعض العلمانيين الملاحدة، ولكن الذين نادوا بالعلمانية في الغرب لم يكونوا ملاحدة، بل كانوا ضد تسلط الكنيسة على شؤون الحياة، وهمهم كان عزل الدين الكنسي عن تصريف أمور الدولة سياسية كانت أم اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو تربوية. بل لم يجد بعضهم حرجاً في أن يكون مسيحياً وعلمانياً في نفس الوقت.
- لا تلازم بين العلمانية والديمقراطية، كما يوحي مقال الكاتب، بل إنَّ كثيراً من الدول التي تبنت العلمانية ساد فيها النظام الشمولي وحكم الفرد، (تركيا والصين وروسيا مثلاً).
- إنَّ مبررات ظهور العلمانية وأسباب نشأتها في الغرب لا تتوفر بالنسبة للإسلام، لما تضمنه الإسلام من شمول لكافة شؤون الحياة، ولعدم وجود صراع بين الإسلام والعلم، ولعدم وجود طبقة كهنوتية تحكم باسم الدين أو تصادر حق الآخرين في معرفته وفهمه، كما حدث في الغرب. ولئن كانت العلمانية مقبولة ومبررة في أوروبا فليس هناك من المبررات لظهورها أو الدعوة إليها في العالم العربي لأنَّ الإسلام الذي تسود ثقافته تلك المجتمعات. يتضمن عقيدة وشريعة ـ وقيماً وأخلاقاً ونظماً اجتماعية واقتصادية وسياسية، كما لم يشهد تاريخه صراعاً بينه وبين العلم، بل إنَّ العلم نشأ في ظلاله وبتشجيع منه. كما لم تظهر فيه طبقة كهنوتية تحتكر الحكم باسم الدين أو تصادر حق الآخرين في الحكم.
د. أحمد محمد الجلي – جامعة أبوظبي