في مقاله المنشور في وجهات نظر ليوم الأربعاء 11 مايو الجاري، والمعنون بـ"هل كان بالإمكان وقف مذبحة الأرمن؟"، استكمل الأستاذ خالص جلبي حديثه عن مأساة إبادة الأرمن التي تحدث عنها في مقاله الأسبوع الماضي وأكد حصولها مع مطلع الحرب العالمية الأولى، بل إنه ذهب إلى حد التأريخ لها من واقع مشاهداته وشجرة عائلته. وبغض النظر عن صحة هذه الادعاءات من عدمها، أريد ضمن تعقيبي عليه أن أقول له: إن مذابح الأرمن قصة معقدة جداً أكثر مما يريد هو إقناعنا؛ فالظروف التاريخية التي حصلت فيها تلك الأحداث كانت فيها سلطة الدولة العثمانية هشة وضعيفة إلى حد تسميتها بـ"رجل أوروبا المريض"، وقد ارتخت قبضة الدولة بشكل خطير، وبالتالي من الطبيعي أن تفقد السيطرة على الوضع. ثم إن الأرمن كانوا مرتبطين ذهنيا في أذهان الأتراك بالولاء لخصمهم اللدود روسيا القيصرية، وكانت بداية الحرب العالمية بكل فظاعاتها ومن ضمنها ما حصل للشعب الأرمني إن صح كما يرويه الكاتب. لكن للأمانة ليس الأرمن هم وحدهم من تعرض للإبادة. فماذا عن الشعوب الإسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى؟ وماذا عن تدمير مدينة قازان وتشريد وإبادة الشعب التتري المسلم؟ وماذا عن إبادة مليون ونصف مليون جزائري؟ وماذا عن إبادة خمسين مليونا من الهنود الحمر في القرن السادس عشر؟ وماذا عن إبادة وتهجير ملايين الأفارقة السود؟ وقبل هذا كله: ماذا عن تشريد الشعب الفلسطيني وارتكاب المجازر بحقه التي ما زالت مستمرة حتى وقت كتابة هذه السطور؟ إن مأساة الشعب الأرمني ليست يتيمة في التاريخ، وإن كان البعض يحركها الآن ليس شفقة على الأرمن وإنما فقط لمنع تركيا المسلمة من دخول الاتحاد الأوروبي، تماما كقضية قبرص.
محمود زكي- أبوظبي