يبدأ "مارك دانر" مؤلف الكتاب الذي نقوم بعرضه في هذه المساحة وهو: "التعذيب والحقيقة: أميركا، أبوغريب والحرب على الإرهاب" بالقول إنه بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر بعدة أيام، خرج "ديك تشيني" نائب الرئيس الأميركي من المخبأ الحصين الذي لجأ إليه انتظارا لوقوع معركة "هرمجيدون"، أو معركة نهاية العالم بين قوى الخير والشر، كي يعلن أن الحكومة الأميركية ستشن حربا لا هوادة فيها ضد الإرهابيين - وذلك بعد أن كان رئيسه بوش قد قام قبل ذلك بعدة أيام بتوعد الإرهابيين بشن حملة صليبية عليهم- وأنها ستقوم بتعقبهم في كل مكان، وإنزال العقاب الرادع الذي تراه بهم، وبأي طريقة كانت.
كان تشيني يقصد من ذلك - كما تكشف فيما بعد- أن الحكومة الأميركية ستقوم بتعليق كافة الضمانات القانونية للمساجين، وأنها ستتجاهل كافة القوانين والمواثيق، بما فيها مواثيق جنيف التي تنظم معاملة أسرى الحرب، وأن "ألبيرتو جونزاليس" المستشار القانوني لبوش في ذلك الوقت، سيقوم بتصميم النموذج الذي سيتم شن تلك الحملة الصليبية على الإرهابيين على غراره، وهو نموذج مستمد إلى حد كبير من النماذج التي تتبعها الدول الفاشلة في التنكيل بالمعارضين من مواطنيها.
وفي العام الماضي، وعندما تم نشر الصور الفاضحة التي تظهر سجناء أبوغريب وهم يتعرضون لانتهاكات جنسية، أو يتم تهديدهم بالكلاب البوليسية الشرسة، ظهر الجانب القبيح لهذا النموذج على حقيقته، بعدما تبين أن السلطات الأميركية كانت تستخدم التعذيب على نطاق واسع لانتزاع الاعترافات من المساجين، وبالمخالفة لأحكام القانون. من نماذج ذلك التعذيب قيام جندي أميركي أرعن, وهو بكامل زيه العسكري بالاعتداء جنسيا على سجين عراقي لإجباره على الاعتراف، وقيام عسكريين أميركيين آخرين بإدخال أيادي المكانس الخشبية في أدبار المساجين، أو قيامهم بإحضار كلاب بوليسية لانتهاك المساجين نيابة عنهم. على الرغم من تلك الانتهاكات الشائنة، وجد بوش الجرأة بعد ذلك ليقف معلناً أن من قاموا بذلك هم قلة قليلة غير منضبطة، أما الغالبية العظمى من جنوده فهم من المنضبطين الملتزمين بالقانون، وذلك على الرغم من العديد من الأدلة التي ظهرت والتي تثبت أنه لم يكن صادقا في ذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر المقال الذي نشر في مجلة "النيويوركر" وأكد كاتبه أنه يمتلك أدلة تفيد، أن السلطات الأمنية الأميركية قامت بشحن أسرى حرب لديها، إلى دول في الشرق الأوسط تشتهر أجهزتها الأمنية بإتقان فنون التعذيب، لانتزاع الاعترافات من المساجين.
ويقول المؤلف إنه قد قام معتمدا على تقارير صحفية ورسمية، وعلى مقابلات مع مساجين عراقيين، بإجراء تحقيقاته الخاصة في العراق من أجل كشف البراءة المصطنعة التي حاول بوش ورامسفيلد على وجه التحديد، الظهور بها فيما يتعلق بهذا الأمر، وفضح التواطؤ الأميركي الرسمي بشأن تلك الانتهاكات.
ويكشف المؤلف عن النظام الذي تعمل به البيروقراطية العسكرية الأميركية في السجون فيقول: إن الأمور تبدأ على سبيل المثال بقيام كولونيل في جوانتانامو، بإباحة استخدام أسلوب الحرمان من النوم. بعد ذلك يقوم أفراد من رتب أدنى، باستخدام هذا الأسلوب في مكان آخر - كأبوغريب مثلا- مع المبالغة في استخدامه كإبقاء الزنزانات مضاءة لمدة 24 ساعة يوميا، لحرمان المساجين من النوم على الرغم من أن الحاجة الفعلية قد لا تستدعي مثل هذا الإجراء.
ويقول المؤلف إن السي آي إيه، بشكل خاص، قد برعت في استخدام المصطلحات المستحدثة، كالقيام مثلا بتسمية "الضرب المبرح" بـ"وسائل التحقيق المشددة" ثم القيام بعد ذلك باستخدام مثل ذلك المصطلح لتبرير ضرب السجناء باللكمات، أو بالسوط، أو بالركلات، على اعتبار أن كل ذلك يندرج ضمن وسائل التحقيق المشددة. يقول المؤلف إن وسائل التحقيق المشددة هذه شملت بالإضافة إلى ذلك بث الرعب في قلوب المساجين العراقيين، والتمتع برؤيتهم وهم يبولون في ملابسهم، أو قيام الجنود بالمراهنة على من منهم يستطيع أن يكون أكثر إرعاباً للمساجين بحيث يجعلهم يتبرزون في ملابسهم. كما شملت أيضا قيام هؤلاء الجنود بتقييد المساجين العراقيين مع بعضهم بعضاً بقيد واحد، وإجبارهم على الزحف على الأرض، ثم القيام برش الماء عليهم من خراطيم ماء قوية، أو ركلهم على مؤخراتهم.
يكشف المؤلف أن الكثيرين من المسؤولين في سجن أبو غريب، كانوا يقومون في أحيان كثيرة بإصدار أوامرهم لجنودهم باستخدام اللهجة العامية الأميركية بدلا من استخدام اللغة العسكرية الرسمية، كقيام أحدهم مثلا عند استلامه لمجموعة من الضباط العراقيين بإصدار أوامره للمسؤول الأدنى رتبة بأن "يبدأ عمله المعتاد معهم"، فيقوم ذلك المسؤول الأدنى بإصدار أوامره لمن هو أدنى منه، كي ينكل بهؤلاء الأسرى كما يحلو له.
وفي منتصف الكتاب تقريبا، يقوم المؤلف بإدخال 8 صفحات من الصور الفاضحة للمجندة "آندي إنجلاند" وزملائها الساديين، الذين قاموا بتكويم المساجين العراقيين وهم عرايا على شكل هرم، للتمتع برؤيتهم ف