في عام 1997 حدث جدل اقتصادي مهم بين مصرف الإمارات الصناعي من جهة ووزارة الاقتصاد وبعض غرف التجارة والصناعة في الدولة من جهة أخرى حول مستقبل صناعة الملابس الجاهزة في دولة الإمارات بشكل خاص ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام. هذا الجدل تمحور حول مصير هذا القطاع الصناعي بعد أن اتفقت البلدان الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على تحرير تجارة الملابس الجاهزة وإلغاء حصص الاستيراد بحلول شهر يناير من عام 2005.
في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات نمت صناعة الأنسجة والملابس الجاهزة في الدولة بصورة مذهلة، وذلك بسبب انتقال المصنعين من دول آسيا إلى دول الخليج للاستفادة من حصص التصدير الخاصة بدول المجلس. حتى ذلك الحين لم يكن الكثير من الناس قد سمع بمنظمة التجارة العالمية وبدورها المتنامي في الاقتصاد العالمي عندما بنى المصرف الصناعي رؤيته والمنشورة في صحيفته الشهرية على ضرورة التحضير لمرحلة تحرير تجارة الملابس الجاهزة في عام 2005 حيث توقع أن تغلق الكثير من المصانع أبوابها وأن تعود أدراجها إلى وطنها الأم للاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة هناك، أما وجهة نظر الأطراف الأخرى، فقد رأت العكس مؤكدة على أن هذه الصناعة سوف تزدهر ولن تتأثر بتحريرها في نطاق منظمة التجارة.
لم يتمكن المصرف في ذلك الوقت للأسف من إقناع الإطراف الأخرى بوجهة نظره والتي تأكدت اليوم، أي بعد تحرير تجارة الملابس الجاهزة حول العالم وانتقالها بدون حصص وبدون قيود جمركية اعتبارا من يناير 2005.
في السنتين الماضيتين أغلق العديد من مصانع الملابس الجاهزة في الدولة أبوابه، ولحسن الحظ فإن ذلك لم يؤثر كثيرا على القطاع الصناعي، فرؤوس الأموال والأيدي العاملة أجنبية، أما في بعض البلدان الخليجية والعربية فقد تم مؤخرا تسريح مئات العاملين المحليين، كما حدث في مصر والمغرب وتونس وبلدان عربية أخرى.
المشكلة الرئيسية حدثت ما بين أوروبا الغربية من جهة والصين والبلدان الآسيوية من جهة أخرى، فمع حلول العام الجاري غزت أسواق البلدان الأوروبية الملابس الجاهزة الصينية والآسيوية عالية الجودة ورخيصة الثمن، حيث اضطر الاتحاد الأوروبي إلى تهديد الصين بوقف وارداته من الملابس والأنسجة منها إذا لم تكبح جماح مصدريها من هذه السلع. بالفعل تهدد الصادرات الصينية الرخيصة صناعة الملابس والأنسجة في كافة بلدان العالم، بما فيها دول مجلس التعاون والبلدان العربية وبلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة، حيث سيؤدي ذلك إلى تفاقم البطالة في البلدان العربية والأوروبية، في حين سيكون تأثيره محدودا في دول مجلس التعاون الخليجي.
ما نود التوصل إليه هو أن التغيرات الاقتصادية السريعة والمذهلة في العالم، وبالأخص تحرير تجارة السلع والخدمات في نطاق منظمة التجارة العالمية تتطلب رؤية استراتيجية ثاقبة وبعيدة المدى استعدادا لمرحلة أخرى أكثر حدة ومنافسة في الأسواق الدولية. وإذا ما نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإننا سنجد أنهما يعانيان إلى جانب تحقيقهما لمكاسب مهمة في ظل هذه التغيرات، فالأوروبيون لم يتوقعوا قوة الغزو "الملابسي" الصيني ومدى تأثيره على صناعتهم من الأنسجة والملابس الجاهزة.
ماذا بشأننا في الخليج وفي العالم العربي عموما؟ بكل ثقة نقول إننا يمكن أن ننجح وأن نحقق مكاسب كبيرة في ظل الأسواق المفتوحة، بشرط أن نملك الرؤية العلمية الصحيحة بعيدا عن العواطف والتهويل والتقييمات غير الموضوعية. ومثلما تملك الصين أفضليات في الصناعات المعتمدة على الأيدي العاملة الرخيصة، بما فيه الملابس الجاهزة والتي استطاعت من خلالها غزو أسواق العالم، فإننا نملك أفضليات كبيرة في الصناعات المعتمدة على مصادر الطاقة الرخيصة وكثيفة رأس المال والتي نستطيع من خلالها غزو أسواق العالم.
يبدو أن هناك بعض المبادرات في بعض البلدان الخليجية بالذات والمطلوب هو تعزيز هذه المبادرات وتطويرها لمجاراة التغيرات الدولية والاستعداد لها، حيث يمكن من خلال ذلك تحقيق مكاسب مهمة تضع دول مجلس التعاون على خريطة العالم الاقتصادية في فترة ما بعد النفط.