لا تفصلنا عن انتهاء ولاية كوفي عنان الثانية، وربما الأخيرة، سوى أشهر قليلة، ومع ذلك تبقى وضعيته مشوبة بالمفارقة، فقد تم إضعافه شخصيا وبصورة شديدة عندما قوبل برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي وضعته الأمم المتحدة قبل الحرب والموجه لصالح العراق بانتقادات لاذعة.
بيد أن هذا البرنامج الذي كان من المفترض أن يمكن الأمم المتحدة من التخفيف من عذابات وآلام العراقيين الناجمة عن الحظر المضروب على بلدهم عقب حرب الخليج سنة 1991، تحول، بالعكس من ذلك، إلى عملية فساد مالي كادت تزعزع أركان الأمم المتحدة وتخلق أزمة حادة في أروقتها. ولم يكن المتهم في هذا الفساد غير كوجو عنان ابن كوفي عنان الذي اتهم باستمراره في تلقي مبالغ مالية من قبل شركة سويسرية شاركت في برنامج النفط مقابل الغذاء حتى بعد أن ترك الشركة.
وبصرف النظر عن عدم إمكانية تحميل الأب جريرة ابنه ومسؤولية تصرفاته، وأن المبالغ التي تلقاها هذا الأخير من الشركة كانت غير ذات أهمية، إلا أن كشف النقاب عن هذه الخروقات خلق نوعا من الضيق والإزعاج بالنسبة للأمين العام. ومن نافلة القول، أن هذه الاتهامات تم توظيفها من قبل الولايات المتحدة لتضييق الخناق أكثر على الأمين العام للأمم المتحدة ووضعه في الزاوية الصعبة، حيث تلتمس أميركا لنفسها الأعذار، من خلال هذه الاتهامات، لتسديد حسابها مع كوفي عنان وجعله يدفع باهظا ثمن معارضته للحرب على العراق، واستماتته في الدفاع، مرات عديدة، عن وجهة نظر الأمم المتحدة التي لم تكن تساند الحرب، هذا ناهيك عن معارضته المباشرة لواشنطن.
وفيما تتوالى هذه المشاكل على رأسه، سيكون كوفي عنان، ربما، ذلك الشخص الذي نجح فيما كان يعتبره الكل ضربا من الخيال: إنه الإصلاح الشامل والعميق لميثاق الأمم المتحدة بغية تحسين أدائها وجعلها أنجع من ذي قبل. فهو يأمل خلال المدة التي تفصلنا عن الخريف المقبل، وبعد لقاء القمة الذي سيجمع رؤساء دول وحكومات الأمم المتحدة والمزمع انعقاده في شهر سبتمبر المقبل، أن يتم التوصل إلى صيغة إصلاح تتصل بموضوع مهم وحساس في ذات الوقت يتمثل في توسيع مجلس الأمن. إذ، كما هو معروف، يعتبر هذا الأخير أحد الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية، وهو يضطلع بموجب ميثاقها بمسؤولية ذات أولوية كبيرة تتجسد في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.
غير أن الولايات المتحدة ضربت بعرض الحائط هذه الأولوية المهمة وتجاهلتها عندما أعلنت الحرب على العراق بالرغم من أنها لم تحز سوى على دعم أربعة أصوات من ضمن خمسة عشر صوتا لأعضاء مجلس الأمن. لكن الولايات المتحدة أدركت، في وقت لاحق، أنها إذا كانت قادرة على ربح الحرب دونما حاجة إلى الأمم المتحدة، فإنها عاجزة عن ربح السلام من دونها.
وقد أصبح الجميع مقتنعا منذ زمن بأن مجلس الأمن الحالي الذي يضم خمسة أعضاء دائمين وهم: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى عشرة أعضاء يتم انتخابهم لمدة سنتين لا يتفق مع الواقع الاستراتيجي لعالمنا اليوم. ذلك أنه إذا ما كنا نرغب في جعل مجلس الأمن أكثر فاعلية وأن يستمر في القيام بالدور المنوط به بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، فإنه يتعين توسيعه ليتجاوز ذلك النظام الذي ظل ثابتا منذ أن وضع سنة 1945، وبخاصة فيما يتعلق بمسألة الأعضاء الدائمين.
وفي هذا الإطار، وبعد مناقشات وأشغال عديدة قامت بها لجان عليا متخصصة، تم التوصل إلى اتفاق جماعي يقر مبدأ توسيع مجلس الأمن. وقد طفا إلى السطح خيار، وهو نفسه الذي نصح به الأمين العام للأمم المتحدة، يتمثل في تعيين ستة أعضاء جدد لمجلس الأمن: واحد لأميركا الشمالية والجنوبية، وواحد لأوروبا، واثنان لآسيا واثنان لإفريقيا. غير أن المشكل الفعلي يكمن عندما ننتقل من الاتفاق المبدئي إلى انتخاب الدولة التي ستصبح عضوا دائما.
وبالطبع هنا رأس الداء، فليس من السهل على إيطاليا أن ترى ألمانيا تنضم إلى مجلس الأمن وأن تبدو هي، في المقابل، كدولة أوروبية أقل شأناً. ونفس الأمر ينطبق على الآخرين، فما الذي سنختار ليمثل أميركا اللاتينية البرازيل أم المكسيك؟ وبالمثل بالنسبة لإفريقيا أنختار إفريقيا الجنوبية أم نيجيريا؟ وبعد مفاوضات مكثفة يبدو أن لائحة ما رشحت تم وضعها بناء على مجموعة من المعايير الموضوعية منها الإسهامات المالية في موازنة الأمم المتحدة والمشاركة في عمليات حفظ السلام والمساهمة في الأنشطة التطوعية للأمم المتحدة، ثم المساعدات الإنمائية الحكومية. وهناك حاليا لائحة شبه رسمية تضم الأعضاء الجدد الدائمين وهم اليابان والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وألمانيا ومصر.
والمشكل نفسه ينسحب على موضوع انضمام اليابان، إذ لا تنظر إليه الصين بتاتا بعين الرضا، وهذا ما يفسر التوتر الحالي في العلاقات بين البلدين. فقد نظمت في الصين العديد من المظاهرات العنيفة بعض الأحيان ضد اليابان، وذلك على خلفية صدور كتابين تاريخيين يقللان من تجاوزات الجيش الياباني إبان احتلاله للصين. وبعيدا عما تناوله ال