لأول مرة ومنذ قرابة العشر سنوات، أعلن مسؤولو الصحة العامة في إندونيسيا، عن ثبوت إصابة أربعة أطفال بفيروس شلل الأطفال. مما دفع منظمة الصحة العالمية إلى مطالبة السلطات الإندونيسية بتكثيف حملات التطعيم على الفور، وخصوصا في جزيرة "جافا" الغربية التي لا تزيد نسبة التطعيم فيها على خمسة وخمسين بالمئة. والغريب في هذا الخبر، أن التحليلات المخبرية على الفيروسات التي أصابت الأطفال الإندونيسيين، أثبتت أن أصلها من نيجيريا في غرب أفريقيا. ويفسر البعض هذا الاكتشاف بنظرية مفادها، أن الفيروس قد وصل إلى إندونيسيا عبر اختلاط الحجاج النيجيريين بالإندونيسيين، أثناء موسم الحج أو موسم العمرة. وليس في وسعنا هنا تأكيد هذه النظرية تأكيدا قاطعا أو حتى نفيها، ولكن أهميتها تأتي في إظهارها لقدرة الفيروس على الانتقال عبر القارات والمحيطات، وبكل يسر وسهولة. وتأتي هذه الأحداث بعد أقل من أسبوع من إصابة فيروس شلل الأطفال لاثنين وعشرين شخصا في اليمن، في شكل نوع محدود من الوباء (Disease Outbreak) . ففي العشرين من الشهر الماضي، وبعد اختفاء المرض تماما منذ عام 1996، ظهرت أربع حالات جديدة في المناطق الساحلية اليمنية، المطلة على البحر الأحمر. وسرعان ما انتشر المرض ليصيب ثمانية عشر شخصا آخرين وليصل إلى العاصمة صنعاء في غضون أيام، مما يرجح انتشار المرض حاليا عبر جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت الذي يسعى فيه مسؤولو الصحة العامة في الحكومة اليمنية ومنظمة الصحة العالمية للتوصل إلى مصدر الوباء، يبذل الأطباء اليمنيون قصارى جهدهم لتنظيم حملة تطعيم سريعة بهدف حصار المرض والحد من انتشاره. فرغم أن الخبراء يؤكدون أن الوباء الموجود في اليمن حاليا، يمكن السيطرة عليه من خلال حملة تطعيم فعالة، بشرط أن يصل التطعيم إلى جميع الأطفال دون سن الخامسة. إلا أن الجميع مسؤولين وخبراء، يدركون أن انخفاض معدلات التطعيم بين الأطفال اليمنيين، سيتيح للفيروس فرصة ذهبية للانتشار على نطاق واسع. ولذا يعمل ممثلو منظمة الأمم المتحدة حاليا، بالتنسيق مع السلطات اليمنية، على تنظيم حملة تطعيم تستخدم أحدث التطعيمات ضد نوع من الفيروس، هو النوع المسؤول عن حالات الإصابة الحالية.
ولذا تعتبر اليمن مثالا آخر، على قدرة فيروس شلل الأطفال على الانتقال بين الدول والقارات. هذا على الرغم من أن اليمن كان قد قام بحملة تطعيم واسعة، بسبب المخاوف السابقة من أن ينتقل المرض من الدول المجاورة، وخصوصا السودان الذي يعاني هو الآخر من انتشار وباء شلل الأطفال. فسواء انتقل الفيروس إلى إندونيسيا من نيجيريا عبر السعودية، أو غزا اليمن من سواحلها المطلة على البحر الأحمر، تظل الحقيقة الأساسية هي أن الفيروسات والأمراض لا تعترف بالحدود السياسية أو الجغرافية. فهاهي اليمن، وبعد تسعة أعوام خلت فيها تماما أراضيها من أي أثر للفيروس، لم يستغرق الأمر إلا أياما قليلة ليتمكن المرض من الانتشار في أرجاء البلاد. وهو ما يعزز المخاوف السابقة، من أن بقاء الفيروس في بعض الدول الأفريقية وخصوصا نيجيريا، يشكل خطرا داهما على الدول المجاورة للقارة السوداء. وبالفعل انتقل فيروس شلل الأطفال منذ بدأ الوباء الأفريقي في عام 2003، إلى خمس عشرة دولة مجاورة كانت اليمن هي أخرها، وكانت جميعا قد أعلنت سابقا خلو أراضيها ومدنها من هذا الفيروس.
ومرض شلل الأطفال، هو مرض فيروسي شديد العدوى، يصيب في الغالب الأطفال تحت سن الخامسة. وتحدث العدوى بالفيروس عن طريق الفم من خلال شرب المياه الملوثة أو تناول الطعام الملوث بالفيروس. وعند وصول الفيروس إلى الأمعاء، يتوالد بكثرة وتتضاعف أعداده بشكل كبير، ليهاجم بعدها الجهاز العصبي، مما قد يؤدي إلى شلل المريض التام في غضون ساعات قليلة. وتظهر أعراض المرض الأولية على شكل حمى وصداع وقيء، مع تصلب في عضلات الرقبة وآلام شديدة في الساقين. وغالباً ما ينتهي المرض دون ترك آثار تذكر على المصاب، ولكن في الحالات سيئة الحظ، فإما أن يصاب المريض بالشلل الدائم والذي غالباً ما يكون في الساقين، أو أن يلقى مصرعه. ولا يوجد حتى الآن أي عقار قادر على قتل الفيروس، إلا أن التطعيم يمنح مناعة ضد المرض مدى الحياة. ومنذ قرابة العقدين والمنظمات الصحية الدولية والمحلية تبذل جهودا كبيرة في القضاء على هذا المرض، وبالفعل انخفض عدد الإصابات من 350 ألف حالة في عام 1988، إلى مجرد 1,267 في عام 2004. ولكن على ما يبدو أن حلم القضاء التام على الفيروس، ليلحق بنفس مصير فيروس الجدري، هو حلم لا زال بعيد المنال. فمرض شلل الأطفال يستوطن حاليا ست دول، هي نيجيريا والنيجر والهند وباكستان وأفغانستان ومصر. ولذا قام وزراء الصحة في هذه الدول الست، والتي تعتبر المناطق الأخيرة على سطح كوكب الأرض التي لا يزال شلل الأطفال مستوطنا فيها، بعقد اجتماع في بداية العام الماضي بمقر منظمة الصحة العالمية بجنيف، خرجوا منه بما يعرف (بإعلان جنيف للقضاء على مرض شلل الأطفال)، وهو الاتفاق الذي وصفته وسائل ا