كانت المقطورة الضخمة تحمل مولدا كهربائيا عملاقا وتسير على الطريق العمومي الموصل إلى" المسيب"، التي تبعد 30 ميلا أو يزيد إلى الجنوب من بغداد، في الأسبوع الماضي. وكانت المقطورة المحاطة بقافلة حراسة مكونة من 6 سيارات تحمل رجال شرطة وقوات من الحرس الوطني العراقي، تسير على ذلك الجزء من الطريق المعروف بخطورته البالغة، والواقع بالقرب من بلدة اللطيفية. كان هناك علم صغير يمثل تعويذة ضد الشر يرفرف على المقطورة، في حين كُتب على المولد الكهربائي بخط عريض: هذا المولد لمحطة المسيب.. الله أكبر.. والعزة للمجاهدين.
كان ذلك بمثابة مناشدة أو رجاء للمجاهدين حتى لا يقوموا بمهاجمة القافلة التي وصلت في النهاية إلى موقعها.
مثلما تساءل من كانوا في تلك القافلة، فإن العراقيين كلهم يتساءلون لماذا يستمر المتمردون في شن الهجمات، وماذا يريدون؟، خصوصا بعد أن أودت هجماتهم وسياراتهم المفخخة إلى مصرع 250 شخصا منذ إعلان تشكيل الحكومة. وعلى الرغم من أن تلك الهجمات تبدو وكأنها تتم دون تمييز، إلا أن الحقيقة أن هناك استراتيجية محددة تقف وراءها.
ليست استراتيجية واحدة، وإنما عدة استراتيجيات في الحقيقة. فالمتمردون يتكونون من جماعات مختلفة، وكل جماعة لها هدف مختلف، ودوافع مختلفة.
الجماعة الأولى تضم تلك الفئة من العراقيين، الذين سرحوا من الجيش أو من المؤسسات الحكومية، لأنهم كانوا أعضاء في حزب البعث. المجموعة الثانية هي تلك المكونة من البعثيين المتعصبين الذين يدينون بالولاء المطلق لمبادئ الحزب. أما المجموعة الثالثة فتتكون من المسلحين الذين يدينون بفكر القاعدة. المجموعتان الأخيرتان لم تكونا لتتورعا عن مهاجمة المولد الكهربائي، لأن تدميره، كان سيؤدي إلى المزيد من الإحساس بعدم الاستقرار، من خلال تخريب الخدمات العامة، وشل الجهاز الأمني للعراق الجديد.. وهو ما يمثل محور استراتيجيتهم.
وفهم الأصول المختلفة للمتمردين مهم للنجاح في مواجهتهم.
من المعروف أن العمود الفقري للمتمردين هو تحالف بين البعثيين المتعصبين وبين شبكة من الإرهابيين الذين يعمل معظمهم تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي.
أما بالنسبة للعمود الفقري للبعثيين ذاتهم، فهو يتكون من أفراد ذوي خلفية عسكرية، خدموا في جيش صدام أو في أجهزته الأمنية والاستخباراتيه، وفقدوا وظائفهم بعد الحرب، بعد أن قام الجيش الأميركي بحل الجيش والأجهزة الأمنية، وهو ما زاد من كراهيتهم للأميركيين، الذين كانوا يكرهونهم في الأصل.
والذين يقوم بتوجيه هؤلاء الجنود، هم مجموعة من ضباط الجيش السابقين من أصحاب الرتب العالية وضباط الأمن والاستخبارات في أجهزة نظام صدام، ممن فقدوا كل المزايا والسلطة التي كانوا يتمتعون بها تحت حكم ذلك النظام.
وقدرة التحالف المكون من هاتين المجموعتين على زرع الخوف واضحة، لدرجة أن أحد المقيمين في بغداد الذين قاموا بزيارة غازي الياور - عندما كان رئيسا مؤقتا- في مقره في المنطقة الخضراء، أضطر- كما قال لي- إلى خفض رأسه وهو جالس في السيارة، حتى لا يراه أحد ويقوم بإبلاغ الإرهابيين الذين سيعملون على قتله بمجرد خروجه من المكان، حسبما تعليمات مسؤولي الأمن في المكان..
والكثير من البعثيين المشتركين في هذا التحالف نجحوا في التسرب إلى داخل المؤسسات الحكومية، وتسهيل عمليات الاغتيال في بغداد، وغيرها من المدن في المثلث السني.
وهدف هاتين المجموعتين واضح وهو عودة حكم البعث من خلال انقلاب عسكري " كما عاد الحزب إلى السلطة عامي 63 و68" حسب نص كلمات ضابط سابق في الجيش العراقي في رسالة بالبريد الاليكتروني أرسلها من مخبأة الشهر الماضي.
أما المسلحون الذين يدينون بأفكار القاعدة، والذين تسللوا عبر الحدود المفتوحة من الدول المجاورة وخصوصا سوريا التي وفرت لهم، الملاذ الآمن، والقواعد بعد أن جاءوا من دول عربية متعددة، وأرشدتهم إلى طرق التسلل إلى داخل العراق، فهم ذوو فائدة كبيرة للبعثيين، لأنهم يوفرون لهم مددا لا ينقطع من الانتحاريين.
وإيران من جانبها تقوم بإيواء وتدريب أعضاء من مجموعات مسلحة أخرى مثل جماعة "أنصار الإسلام" وهي فرع كردي من تنظيم القاعدة، وجمعية أنصار السنة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجمات التي وقعت في أربيل الأسبوع الماضي.
مهما اختلفت أصول الجماعات المتمردة الحالية، فإنها تتفق على هدف واحد كما قلنا آنفا هو طرد الأميركيين، وتدمير الحكومة العراقية الحالية. وإحدى هاتين المجموعتين تريد عودة حكم صدام حسين، في حين تريد الأخرى إقامة عراق على النظام الطالباني.
إن أول هدف ينبغي العمل على تحقيقه عند مواجهة تلك الجماعات، هو تفكيك التحالف القائم بين البعثيين وبين القاعدة في المقام الأول.
لتحقيق ذلك يجب خوض المواجهة على جبهتين: الجبهة الأولى خارجية، وتهدف إلى إقناع المجتمع الدولي بإصدار إنذار نهائي لسوريا وإيران، بقطع خطوط الإمداد أمام المتمردين، وإقناع أميركا بشن ضغط على سوريا مثل الضغط الذي مارسته عليها في الأز