إذا لم تصل الدول المئة والثمان والثمانون المشتركة الآن في مؤتمر "مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي" السابع، المنعقد حاليا في نيويورك، إلى اتفاق بشأن الحد من الطموحات النووية لإيران وكوريا الشمالية، وفشلت في نفس الوقت في تحقيق تقدم بشأن الحد من الترسانات النووية للقوى النووية الكبرى فإن الأمن العالمي سوف يصبح مهددا بمزيد من الانتشار لأسلحة الدمار الشامل.
وأخطر العواقب التي ستنتج عن فشل هذا المؤتمر، سوف تكون في قارة آسيا.
فكوريا الشمالية، لم تكتف بالانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، ولكنها تفاخرت أيضا بأنها قامت بإنتاج أسلحة نووية دون أن يطالها عقاب من مجلس الأمن. وعلى النقيض من الزعماء الإيرانيين الذين يميلون إلى توخي الحذر والحسابات الدقيقة في مواجهتهم مع الغرب، فإن قيادة كوريا الشمالية المتقلبة الأطوار قادرة على الإتيان بتصرفات خطرة وغير مسؤولة تماما في أي وقت من الأوقات.
فقيامها على سبيل المثال باختبار جهاز نووي، أو إطلاق أحد صواريخها البعيدة المدى على أحد البلاد الواقعة في الجوار يمكن أن ينتج عنه عواقب فورية وخيمة. صحيح أن نفس السيناريو يمكن أن يتم في الشرق الأوسط وذلك عندما تصل طهران إلى درجة من التهور تدفعها مثلا إلى اختبار قنبلة نووية. وفي هذه الحالة، فإن رد الفعل المباشر المحتمل هو قيام بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر بإعادة النظر في موقفها من المعاهدة المعنية. أما بالنسبة للذي سيحدث في شرق آسيا، فإن علينا أن نتوقع مثلا قيام اليابان بإجراء عملية إعادة تقويم لاستراتيجيتها في هذا الخصوص، وهو ما سينطبق أيضا على كوريا الجنوبية وتايوان.
إن احتمالات الانتشار النووي في آسيا سيكون لها أصداء بعيدة المدى على توازن القوى في المنطقة، كما ستكون مصدرا للقلق بالنسبة للقوى النووية الكبرى الموجودة في القارة مثل الصين والولايات المتحدة. بيد أن إعادة ظهور اليابان كقوة عسكرية كبرى مسلحة نووية، سيكون هو التطور الأكثر دراماتيكية. وعلاقات اليابان المتوترة حاليا بجيرانها بسبب الأفعال التي قامت بها خلال الحرب العالمية الثانية، وعدم رغبتها في الاعتذار كلية عن تلك الأعمال، كانت هي السبب الأساسي وراء الاضطرابات التي وقعت في الصين في الآونة الأخيرة ضد المصالح اليابانية. ومثل هذه الاضطرابات يمكن من جهة أخرى أن تؤدي إلى تعزيز المشاعر القومية المتزايدة في اليابان. أما بالنسبة لاستجابة كوريا الجنوبية للتسلح النووي لكوريا الشمالية، فيمكن أن تتصف بالانفصام (الشيزوفرينيا) بسبب الانقسام الموجود في المواقف تجاه الشمال. فالبعض في كوريا الجنوبية يعتقدون أن الاشتباك السلمي هو الخيار الأفضل، لإنهاء عزلة كوريا الشمالية، والبعض الآخر وخاصة الجيل الأكبر عمرا يرى أنه من الأفضل تعزيز العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة.
بالنسبة لتايوان, فهذه الجزيرة إذا ما فكرت في البدء في برنامج نووي عقب أزمة معينة بصدد كوريا الشمالية مثلا، فإن الصين ستعتبر حينذاك أنها قد تجاوزت الخطوط الحمراء، وتقوم بالتالي بتشديد ضغطها العسكري عليها كي تجبرها في النهاية على إعادة الاتحاد مع الوطن الأم. وهذا الأمر لو حدث فإنه يمكن أن يشعل شرارة أزمة مع الولايات المتحدة، خصوصا وأن الحكومات الأميركية المتعاقبة، كانت قد قدمت تعهدات لتايوان بضمان أمنها وسيادتها واستقلالها عن الصين.
بمعنى آخر، إذا ما انتشرت الأسلحة النووية في آسيا فإن الصين والولايات المتحدة وغيرهما، يمكن أن تنخرط في صراعات وخلافات بشأن سياسات الأمن الإقليمي. لذلك كله أقول إن المخاطر في نيويورك الآن عالية، وإن الأسابيع الثلاثة القادمة هي التي ستجعلنا نعرف ما إذا كانت الدول المئة والثمان والثمانون ستكون قادرة على التوصل إلى قرارات فعالة، لتعزيز اتفاقية منع الانتشار النووي أم أنها ستفشل في ذلك. وإذا ما فشلت تلك الدول في ذلك فإن المؤرخين سينظرون إلى عام 2005 على أنه العام الذي فقد فيه العالم فرصته الأخيرة لإعادة التأكيد على أهمية الحيلولة دون منع الانتشار النووي مما زاد من احتمالات دخول العالم في جولة جديدة من جولات التسابق النووي الذي لا يستطيع أحد التنبؤ بعواقبه.