"نادي القهوة" أو "كوفي كلوب" ليس مكانا لتناول الكابيتشينو والاكسبيريسو، أو رابطة لمصدري البن في العالم، أو تجمعا لهواة تذوق القهوة وتصنيفها مثلما قد يوحي به الاسم. إنه باختصار ناد دولي غير رسمي محدود الغرض والمدة ومرتبط أساسا بملف إصلاح مجلس الأمن الدولي الذي يراد له شكلا جديدا يتواءم مع متطلبات وتحديات القرن الحادي والعشرين بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان.
وبعبارة أخرى فإن نادي القهوة هو رد فعل على مقترحات وأفكار قدمها فريق أممي خاص مكلف بإصلاح المنظمة الدولية العتيدة، واشتملت على نموذجين لإعادة هيكلة مجلس الأمن. النموذج الأول يقترح إضافة ستة مقاعد دائمة جديدة إلى المقاعد الخمسة الحالية ليشغلها ممثلون عن المجموعات الجغرافية الرئيسية. أما النموذج الثاني فيقترح إبقاء العضوية الدائمة محصورة في الدول الخمس الحالية، مع خلق عضوية شبه دائمة مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد تمنح لثماني دول، وذلك تحقيقا لتمثيل أفضل لدول العالم، ولاسيما النامية منها, في أعلى مؤسسة دولية.
وهكذا فالدول التي تعلم أن لا أمل لها بالاستفادة من النموذج الأول بسبب ضعف تمثيلها للمجموعة الجغرافية التي تنتمي إليها أو بسبب عدم جدارتها سياسيا أو ضعف مكانتها الاقتصادية عالميا مقارنة بغيرها، رأت أن تتحرك من الآن، وقبل أن يبت في العملية الإصلاحية، وذلك من خلال تشكيل لوبي لمعارضة النموذج الأول والترويج للنموذج الثاني. إذ أن هذا يقطع الطريق على احتمال حصول خصومها ومنافسيها التقليديين على العضوية الدائمة، ويعطيها في الوقت نفسه أملا في إمكانية حصولها على العضوية شبه الدائمة.
ويكفي المرء التمعن في اسمي الدولتين المؤسستين للنادي وهما باكستان وايطاليا، وأسماء الدول التي باركت العملية وانضمت إليها مثل إسبانيا وكوريا الجنوبية وتركيا ومصر والمغرب وكينيا والأرجنتين والمكسيك، ليدرك أهداف التحرك وأبعاده. فايطاليا وإسبانيا مثلا لم تنتسبا إلى النادي إلا بسبب شعورهما بالغيرة والحسد من فرص ألمانيا القوية في نيل أحد المقاعد الدائمة المقترحة. وانضمام كوريا الجنوبية إلى النادي لا تفسير له سوى إحباط مساعي اليابان في الحصول على مقعد دائم وذلك على خلفية ما بين البلدين من مرارة تاريخية. وتحمس الأرجنتين والمكسيك للنادي مبعثه قطع الطريق على البرازيل صاحبة الحظوظ القوية لاحتلال مقعد دائم باسم أميركا الجنوبية. وانضمام كينيا ومصر والمغرب إلى النادي يعزى إلى ضعف فرص تمثيلها للقارة الأفريقية مقارنة بفرص جنوب أفريقيا مثلا.
وبالتأكيد فإن قيادة باكستان للنادي عمل موجه أساسا إلى غريمتها التقليدية الهند والتي تتمتع بفرص قوية لنيل العضوية الدائمة بسبب ثقلها الجغرافي والسكاني وصعودها الاقتصادي الراهن واستقرارها السياسي الطويل ونظامها الديمقراطي المتجذر ومساهمتها القوية في قوات حفظ السلام الدولية منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، ناهيك عن تأييد ثلاثة من بين الأعضاء الدائمين الخمسة في المجلس لها (روسيا الاتحادية وبريطانيا وفرنسا) مع عدم بروز اعتراض صريح من قبل الدولتين الأخريين (الولايات المتحدة والصين). ففي ظل العداء والخلافات العميقة ما بين نيودلهي وإسلام آباد حول الحدود والمياه والسيادة على كشمير، يخشى الباكستانيون أن يفضي وجود الهند ضمن الدول دائمة العضوية في المجلس (حتى بدون منحها حق النقض الفيتو الذي تعارض الدول الخمس الكبرى أن يشاركها الأعضاء الجدد فيه) إلى تقويض آمالهم في صدور قرارات أممية لصالحهم أو وفق مرئياتهم الخاصة. السبب إذن واضح رغم محاولات إسلام آباد في الأسابيع الأخيرة الإيحاء بأن تأسيس نادي القهوة غير موجه إلى أية دولة وإنما نابع من رؤية مفادها ضرورة إجراء إصلاح شامل في هياكل الأمم المتحدة يحظى بالإجماع ولا يخل بمبدأ المساواة والعدالة ولا يميز بين الأعضاء. إذ تكفي العودة إلى خطاب الرئيس الباكستاني برويز مشرف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي وما تلاه من تصريحات لمسؤولين باكستانيين كبار للتثبت من أن إعاقة حصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن صار في السنتين الأخيرتين هدفا من أهداف الدبلوماسية الباكستانية، تستثمر فيه كل الحجج ومن بينها خروج نيودلهي على الشرعية الدولية بعدم تطبيقها للقرارات الأممية الخاصة بكشمير, وخرقها لحقوق الإنسان في هذه الولاية وولاية غوجرات وتحرشها بجاراتها.
بدأ نادي القهوة أول تحرك له في منتصف ابريل المنصرم بعقد لقاء في نيويورك تحت شعار "الاتحاد من أجل الإجماع" حضره وزير الخارجية الإيطالي جيانفرانكو فيني والدبلوماسي الباكستاني المخضرم انعام الحق كمبعوث لرئيسه، إلى جانب ممثلين لأكثر من 112 دولة، لا ينتسب سوى نحو أربعين منها إلى النادي المذكور. في هذا اللقاء برز دليل إضافي على صحة ما قلناه حول الأهداف المتوارية لمؤسسي النادي. فعلى حين شدد الوزير الإيطالي على أن توسعة مجلس الأمن ليست مسألة ذات أولوية وأن جهود الأم