بلير: دخل مع حزبه التاريخ بمساعدة شيري وبراون


 انتهت معركة الانتخابات البريطانية العامة لترسم نتائجها الأولية التي أعلنت ليل الخميس – الجمعة الأخير، بداية مرحلة أخرى لحكم حزب العمال بزعامة توني بلير الذي سيتولى رئاسة الحكومة للمرة الثالثة في حالة قلما عرفها التاريخ السياسي لبريطانيا المعاصرة. فقد فاز العماليون في 338 دائرة, بينما فاز المحافظون في 171 دائرة والأحرار الديمقراطيون في 53 فقط! وعقب إعادة انتخابه نائبا عن دائرة سيدجيفيلد، وإثر إعلان النتائج الأولية التي أعطت أغلبية مطلقة لحزبه، صرح بلير بالقول إنه فخور بهذا النصر الانتخابي وإن الشعب البريطاني أراد استمرار العماليين في السلطة ومنحهم تفويضا جديدا بحكم البلاد.


وإن جاءت الحصيلة الأولية للاقتراع قريبة من توقعات استطلاعات الرأي طوال الأسابيع الأخيرة، فإن عدد مقاعد "العمال" في مجلس العموم البريطاني الجديد تراجع بنحو 80 مقعدا مقارنة بالمجلس المنتهية ولايته. إلا أن بلير عاد إلى 10 داونينج ستريت وفي جعبته نتائج نصر انتخابي منحه من خلاله البريطانيون دعما لخط السياسات العامة التي ينتهجها خاصة في المجال الاقتصادي, وذلك منذ توليه رئاسة الحكومة لأول مرة قبل ثماني سنوات. فخلال الولايتين الأولى والثانية لبلير تمتع الاقتصاد البريطاني بفترة ازدهار ونمو قياسيين؛ إذ ارتفع إجمالي الناتج المحلي للبلاد خلال العام الماضي بنسبة 3.1%، كما سجل مؤشر التضخم نسبة لا تتجاوز 1.3% في المتوسط،، فيما تراجع مؤشر البطالة إلى 2.7%، كما تراجعت بيانات العجز العام والدين العام بشكل واضح، لذلك جعل بلير ووزير ماليته غوردون براون الذي يقود القطاع الاقتصادي منذ عودة حزب العمال إلى السلطة، السجل الاقتصادي لحزبهما محورا رئيسيا للحملة الانتخابية من أجل الفوز بولاية ثالثة. ويؤكد براون باستمرار, أن البلاد لم تشهد ازدهارا كهذا منذ بدء التسجيل الإحصائي فيها عام 1701.


غير أن سكان المناطق الفقيرة في المملكة المتحدة لا يشعرون بأنهم استفادوا من ذلك الازدهار، حيث أظهرت بيانات حديثة أن بريطانيا سجلت واحدا من أسوأ معدلات عدم المساواة الاجتماعية بين الدول الغنية، وأن أفقر مواطنيها الذين يشكلون 10% ازدادوا فقرا وأصبحوا أكثر تعرضا للبطالة ووقوعا في مصيدة الإعانات الاجتماعية. وذكرت نشرة اقتصادية متخصصة أن بريطانيا "تعيش على الديون"، وأن النفقات العامة ارتفعت بنسبة 4.4% خلال الولاية الثانية لبلير بينما كانت العائدات الضريبية أقل من التقديرات، لذلك يشير زعيم حزب المحافظين مايكل هاوارد إلى هذه القضية باستمرار قائلا إن رسالة العماليين واضحة وهي: "صوتوا أولا... ثم ادفعوا"! ورغم ذلك فقد أدى الانتعاش الاقتصادي خلال ولاية بلير الثانية إلى تضاعف أعداد المهاجرين القادمين إلى بريطانيا، فتقاطعت على ساحتها بصفة خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 قضايا الهجرة واللجوء ومكافحة الإرهاب، فعمدت الحكومة العمالية إلى جملة من الإجراءات المتشددة ونجحت في تمرير عدد من القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب، التي أثارت شكوى من مسلمين اعتبروا أنهم مستهدفون بسبب دينهم، كما انتقدتها منظمات حقوقية شددت على أن الإجراءات الاحتياطية ضد "خطر إرهابي منتظر" يجب ألا تتم على حساب الحريات المشروعة في دولة تعد "أم الديمقراطيات في العالم".


 وإذا كان بلير يشدد باستمرار على سجله في إنقاذ الخدمات العامة وتعزيز التنمية المستدامة وتقليص البطالة إلى الحد الأدنى، فهو يعترف بأن قضية حرب العراق "قسمت الشعب" وهزت مركزه الانتخابي بشكل جلي، خاصة بعدما عاد موضوع العراق ليسيطر على الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية حين أظهرت وثيقة سرية بريطانية تم تسريبها مؤخرا أن بلير والرئيس الأميركي جورج بوش كانا عازمين على إطاحة النظام العراقي السابق قبل تسعة أشهر على الأقل من حرب العراق.


الوثيقة أضرت بمصداقية بلير وتراجعت شعبيته وتعرض لضغوط برلمانية وقانونية وإعلامية قوية، وواجه سلسلة من حالات التمرد داخل حزبه حيث رفض 100 نائب عمالي التصويت لصالح مشروع إصلاح نظام الصحة العامة، واستقال روبن كوك وكلير شورت من حكومته، وأخيرا تلقى ضربة أخرى بفوز جورج غالوي المفصول من الحزب بمقعد في مجلس العموم، والذي كان أحد أبرز معارضي غزو العراق. انضم بلير إلى حزب العمال إثر تخرجه من جامعة أكسفورد عام 1975، حيث عمل كمحامٍ متخصص في قوانين التوظيف والعمل وأصبح ناشطا في صفوف النقابات المهنية، وترقى في العمل السياسي تحت مظلة حزب العمال إلى أن أصبح وزير الداخلية في حكومة الظل، ثم انتخب لعضوية اللجنة التنفيذية القومية للحزب عام 1992 وأخيرا أصبح رئيسا لحزب العمال بعد وفاة رئيسه جون سميث عام 1994 ليقوده إلى فوز تاريخي في انتخابات عام 1997 بعد غياب عن السلطة دام 18 عاما حكم خلالها المحافظون.