بعد أن توفي والداه، بدأ "مالكولم دود" يشك في أنه لم يكن ابنا شرعيا لأبيه أو الرجل الذي كان يعتقد أنه أبوه. وفي ذلك الوقت عرض عليه أحد أقربائه قصة بدت أجزاؤها متفقة مع بعضها بعضاً. تقول هذه القصة إن أباه قد أمضى ثلاث سنوات يحارب في جنوب شرق آسيا خلال الحرب العالمية الثانية، وإن "دود" قد ولد خلال تلك السنوات. وقد أدت بعض التحريات التي أجراها إلى جعله يشك في أن أباه البيولوجي أو الحقيقي، ربما كان جنديا أميركيا موجودا في إحدى القواعد في بريطانيا. ولكن "دود" الذي ولد وترعرع في بريطانيا، وأصبح الآن متقاعدا في البرتغال لم يقتنع بكل ذلك، وكان يريد دليلا أقوى.
في النهاية قرر "دود" اللجوء إلى شركة "دي. إن. إيه جينوميكس إنكوربوريشن" في ساراسوتا- فلوريدا، والتي أرسل إليها قطعة من القطن عليها عينة من حمضه النووي كي تقوم بإجراء التحليلات اللازمة عليها. ولكن الرد الذي جاءه من الشركة لم يكن يمثل دليلا دامغا، بل كان يحمل له مفاجأة أكبر وهي أن بعض أسلافه ربما انحدروا من نسل سكان أميركا الأصليين.
يقول "دود": كنت أتوقع أن أكون أوروبياً بنسبة مئة في المئة. المهم أن تلك النتيجة قد زادت من اعتقاده بأن أباه كان أميركيا، وهو الأمر الذي دفعه إلى زيارة كاليفورنيا، للبحث عن المزيد من الأدلة. يعلق "دود" على هذا قائلا:"لقد حصلت على معلومات جيدة حول أصل والدي، ولكن المشكلة هي أنني لا أستطيع التأكد من صحة هذه المعلومات". "لقد كان اختبار الحمض النووي عونا كبيرا لي"، هذا ما قاله "دود" الذي يضيف أنه قد أحب أباه الذي قام بتربيته كما لو كان ابنه، وأنه لا يحمل ضغينة لوالده الحقيقي الذي تخلى عنه.
من بين النتائج الفرعية التي تمخضت عن اكتمال مشروع الجينوم البشري لعام 2003 - وهو مشروع ممول من قبل الحكومة غرضه متابعة وتقصي ورسم خرائط للجينات البشرية- ولادة ما يعرف باسم صناعة الأنساب. وتقوم تلك الشركات باستخدام مؤشرات وعلامات الـ"دي. إن. إيه"، المنتقلة من جيل إلى جيل، لإتاحة الفرصة للناس للتدقيق في تاريخهم، ومعرفة أصولهم الجينية. بيد أن بيانات الحمض الجيني، والتي نادرا ما تكون قاطعة في حد ذاتها تحتاج إلى ترجمة دقيقة، كي يمكن فهمها بشكل كامل.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال يتلهف بعض الناس على إثبات أنهم ينحدرون من عائلات أميركية أصيلة، كي ينضموا للقبائل التي يثري الكثير منها من عوائد الكازينوهات. والبعض الآخر منهم يحبون أن يكتشفوا الروابط التي تربطهم بماضٍ معين، والتي لم تكن معروفة حتى الآن. ولكن في بلد كان فيه وجود قطرة دم واحدة من الدماء الأفريقية، يعني في وقت ما التعرض لخطر الاسترقاق، فإن الأخبار المتعلقة بإمكانية معرفة الأصول من خلال الحمض النووي، يمكن أن يكون لها وقع الصدمة.
الخلاصة هي أننا لسنا على هذا النقاء العرقي الذي نظن أنفسنا عليه. فالأميركيون من أصل أفريقي على سبيل المثال، سوف يكتشفون أن هناك 20 في المئة في المتوسط من دمائهم تعود إلى أصول أوروبية كما يقول "توني فروداكيس" مؤسس ومدير قسم العلوم في مؤسسة "دي. إن. إي برينت".
في الخريف الماضي شرع "صموئيل ريتشارد" الذي يقوم بتدريس دورة دراسية بجامعة "بن ستيت" عن العلاقات بين الأجناس، في إجراء اختبار حمض نووي لطلابه. وقد أعرب 20 في المئة تقريبا من الذين خضعوا لذلك الفحص عن "دهشتهم الشديدة"، لاكتشافهم أنهم ينتمون إلى أصول مختلطة، في حين قال 20 في المئة آخرون، إنهم "مندهشون نوعا ما". لقد ساعد اختبار الحمض النووي هؤلاء الطلاب على النظر إلى خارج "خانة العرق" حيث إننا نعتقد أن هناك مجموعات عرقية معينة، وخانات عرقية تفصل بينها حدود واضحة، في حين أن موضوع العرق على وجه التحديد موضوع متغير، وشديد السيولة.
في بعض الأحيان تثير فحوصات الحمض النووي من الأسئلة أكثر مما تحل من مسائل. فزوجة العالم "صموئيل ريتشارد" السابق الإشارة إليه، والتي خضعت هي الأخرى لفحص الحمض النووي، وجدت أن سلسلة نسبها تحتوي 13 في المئة من الدماء الأميركية، و87 في المئة من الدماء الأوروبية. وهي تقول إن هذا كان غريبا في الحقيقة، لأنها كانت تعرف أن أصلها يرجع إلى بولندا وأيرلندا، ولم يكن لديها أي علم بأن هناك أميركيين أصليين في شجرة عائلتها. وقد قادها هذا لمقابلة أقارب أكبر سنا في عائلتها لمحاولة حل ذلك اللغز.
وهذه الحالة تبين حدود اختبارات الحمض النووي. كما يقول "مارك شريفر"، أستاذ علم الأجناس البشرية في جامعة "بين ستيت"، ومستشار شركة "دي. إن. إيه برينت". ويعتقد أن سكان أميركا الأصليين قد هاجروا إلى القارة الأميركية من وسط آسيا منذ آلاف السنين، كما قاموا أيضا بالهجرة إلى شرق أوروبا، وهو ما يعني أن حمضها النووي "الأميركي الأصلي" قد جاء من هناك. ويضيف البروفيسور "مارك شيفر" أن دماء اليونانيين واليهود الأشكيناز قد تحتوي على نسبة كبيرة من "الدم الأميركي الأصلي" لنفس السبب. ولذلك فإنه يجب أن يتم إجراء فحص "دي. إن. إيه" أكثر ت