بعد حوالي الأربعة أعوام من اعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي حولت أميركا إلى الأبد, وبعد حرب أميركا التي لا هوادة فيها على الإرهاب، ومحطات الحرب المتعددة في أفغانستان والعراق, وبعد تغير أميركا في الداخل، وإعادة تقييم لأجهزتها الأمنية والاستخباراتية وهيكلة وكالات الاستخبارات واستحداث وزارة أمن قومي ومنصب استخبارات وطني يضم 15 جهازا أمنيا واستخباراتيا، وبعد توصيات بلغت 41 توصية تغطي مجالات العمل الاستخباراتي والتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية على مختلف المستويات... بعد كل ذلك، يأتي تقرير الخارجية السنوي عن أنماط الإرهاب في العالم للعام الماضي ليلقي ظلالاً من الشك حول نجاح أميركا في حملتها الطويلة والمكلفة على الإرهاب العالمي.
وبالرغم من تأكيدات الرئيس بوش وكذلك تقرير خارجيته بأن حرب أميركا على الإرهاب أولاً أضعفت القاعدة كتنظيم وألقت القبض أو اعتقلت أو قتلت معظم كوادره... وثانياً, أن الاستراتيجية الأميركية في مكافحة الإرهاب التي جعلت العالم إما مع أو ضد أميركا قد نجحت في منع تنظيم القاعدة من شن أية عملية نوعية على مستوى كبير داخل الأراضي الأميركية أو ضد أهدافها ومصالحها في الخارج, مما طمأن الناخب الأميركي في انتخابات الرئاسة الماضية ليصوت لبوش ضد كيري, وبعد أن استخدم بوش بنجاح الترهيب والتخويف للناخب الأميركي من أنه الأفضل في التصدي للإرهاب والإرهابيين, جاءت النتائج على أرض الواقع تثبت أن بوش وإدارته يقولان نصف الحقيقة للأسباب التالية:
أولاً: تقرير الخارجية الأميركية وبالرغم من حذف الجداول والإحصائيات أثبت أن العمليات الإرهابية حول العالم ازدادت بدلاً من أن تنخفض من 175 عملية إرهابية عام 2003 إلى 655 عملية عام 2004. وهذا يدحض ادعاءات الإدارة الأميركية.
ثانياً: يؤكد التقرير أن هناك جماعات وشبكات وخلايا تعمل خارج نطاق القاعدة تأثرت وتحمست لمهاجمة أميركا بطريقة غير مركزية. وبدون تنسيق مع القاعدة شنت هجمات محلية في دولها ضد القوات الأميركية أو أهداف محلية ضد الأنظمة المتحالفة مع أميركا. ويدللون على ذلك بما وقع من عمليات إرهابية في السعودية والكويت وقطر قبل ذلك في مدريد واسطنبول والدار البيضاء.
ثالثا: لقد تحول العراق إلى أرض جاذبة للإرهابيين والجهاديين الذين يقومون بالتدرب وتنفيذ عمليات ضد الأهداف الأميركية وقوات الأمن العراقية المتعاونة معها. ومن يبقى منهم على قيد الحياة يعود لبلاده لينفذ عمليات.فتحول العراق إلى عنصر جاذب ومفرخ ومصدر للإرهاب لدول الجوار وغيرها. وفي ذلك زعزعة للأمن والاستقرار ليس فقط في العراق ولكن لدول الجوار والمنطقة بأسرها.
رابعاً: هناك مخاوف حقيقية حسب التقرير من حيازة هذه التنظيمات وخاصة القاعدة على أسلحة دمار شامل وهنا مكمن الخطورة. حيث إن الجولة القادمة قد تكون جولة دموية إذا ما تم استخدام هذه الأسلحة الفتاكة.
إن الإخفاق الأميركي في الحرب على الإرهاب يحتاج إلى وقفة تقييمية صادقة. لقد قال بوش في لحظة صفاء، إنه لا يمكننا الانتصار على الإرهاب. ثم عاد ليضيف ليس بـ"الحرب التقليدية". لماذا؟ لأن الإرهاب ليس عدواً لديه عنوان بل هو فكر وإيديولوجيا قبل أي شيء آخر له جذور وأسباب وأهداف. وطالما تجاهلت أميركا هذه الحقائق واستمرت بسياسة الاحتلال والانحياز والهيمنة وخلط المفاهيم والقيم والمصالح، فلن تحصد سوى الإخفاق في حربها الطويلة على الإرهاب.