تعرف المراجع الطبية الأمراض الجنسية على أنها: مجموعة الأمراض التي تنتقل –غالبا- عن طريق الاتصال الجنسي. ويعود سبب وجود كلمة (غالبا) في التعريف، إلى حقيقة أن هذه الأمراض قد تنتقل من شخص إلى آخر، دون أن يكون هناك أية اتصال جنسي بينهما، أو حتى دون أن يكون هناك أي نوع من الاتصال البدني أو المكاني بينهما. فعلى سبيل المثال، يمكن لفيروس الإيدز أو لفيروس التهاب الكبد (ب)، أن ينتقلا من شخص إلى آخر عن طريق عمليات نقل الدم أو عن طريق الحقن الملوثة، ودون أن يكون الشخصان في نفس المكان، أو حتى في نفس البلد أو القارة. ويتم تقسيم الأمراض الجنسية حسب نوع الميكروب أو الكائن المسبب لها إلى عدة مجموعات، هي: المجموعة البكتيرية، والمجموعة الفيروسية، والمجموعة الطفيلية، والمجموعة الفطرية، والمجموعة الحشرية، والناتجة عن انتقال بعض الحشرات من شخص إلى آخر أثناء الاتصال الجنسي.
وتتضمن المجموعة البكتيرية بعض الأمراض الشهيرة، مثل مرض الزهري، والسيلان، والكلاميديا، والتهابات مجرى البول، وغيرها الكثير. ومن أشهر أعضاء المجموعة الفطرية، مرض القلاع (Candidiasis)، وهو مرض يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر بطرق عديدة، منها الاتصال الجنسي. وتشمل مجموعة الأمراض الجنسية الناتجة عن الإصابة بالطفيليات كلاً من: الأميبا والجارديا والترايكومونس. أما الأمراض الجنسية الناتجة عن الحشرات، فتتضمن كلاً من قمل العانة وقمل الجسد ومرض الجرَب.
وفي النهاية توجد مجموعة الأمراض الجنسية الفيروسية، والتي يمكن تقسيمها في حد ذاتها إلى عائلات مختلفة. مثل عائلة الإيدز، وعائلة الهربس، وعائلة فيروس الثآليل الجنسية، وعائلة السيتو- ميجالو، وعائلة التهابات الكبد الفيروسية. والخلاصة من هذه المقدمة الطويلة، والتقسيمات المربكة، والأسماء صعبة النطق والتذكر، هي أن الأمراض التي يمكن أن تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي كثيرة ومتعددة.
هذا التعدد والتنوع تؤلف فيه الموسوعات والمراجع، ويتطلب من الأطباء المتخصصين في هذا المجال، قضاء معظم حياتهم المهنية في دراسة الجوانب المختلفة للأمراض الجنسية، في محاولة لسبر أغوارها والإلمام بتفاصيلها. وبالأخذ في الاعتبار أن المساحة لن تتسع هنا للتعرض لجميع تلك الأمراض، فسنكتفي باستعراض جوانب بعض العائلات الفيروسية. وبما أن لدى الكثيرين منا معلومات أساسية عن عائلة الإيدز، بسبب كثرة ما نشر في وسائل الإعلام عن هذا الموضوع، فسنقفز مباشرة إلى عائلة الهربس (Herps Simplex)، ومن بعدها عائلة فيروس الثآليل الجنسية (HPV).
أهم الصفات التي تميز أفراد عائلة فيروس الهربس، هي القدرة على البقاء داخل الجسد إلى أجل غير مسمى. بمعنى، أنه إذا ما دخل هذا الفيروس إلى الجسم، فسيظل داخل الجسم إلى آخر أيام العمر، ليظل يطل برأسه القبيح بين الحين والآخر لسنوات وعقود. وبالإضافة إلى إصابته للأعضاء التناسلية، كثيرا ما يصيب الهربس المنطقة المحيطة بالفم والشفتين، وهي الحالة المعروفة بقرحة البرد (Cold sores)، وتحدث الإصابة بها نتيجة التقبيل أو التلامس مع فم شخص مصاب. وفي الحالتين، سواء الإصابة في الأعضاء التناسلية، أو الإصابة حول الفم - والمنتشرة بين الكثيرين- يظهر المرض في شكل فقاقيع صغيرة متقاربة من بعضها بعضاً، تنفجر لاحقا لتترك قرحة صغيرة تلتئم بعد مرور بضعة أيام. وكثيرا ما يسبق ظهور الفقاقيع، إحساس بالألم والحرقة والرغبة في الحكة في المنطقة المصابة. ويعود السبب في عدم قدرة الجسم على التخلص من هذا الفيروس اللعين، إلى قدرته على الاختباء في العقد العصبية المغذية للمناطق المصابة للجلد، بحيث يظل كامناً فيها بعيدا عن أن يطاله جهاز المناعة، إلى أن يخرج فقط وقت النوبات ووقت تكوين الفقاقيع والقرح. وتكمن خطورة الهربس، في أنه قد ينتقل إلى العينين ليصيب القرنية أيضا بالتقرح، من خلال ما يعرف بالعدوى الذاتية. وهي الحالات التي تنقل فيها يدا المريض الفيروس، من منطقة الفم أو الأعضاء التناسلية إلى العينين. المصيبة الأخرى التي قد تنتج عن الهربس، هي انتقاله إلى المخ وتسببه في التهاب الدماغ. هذه الحالة بالغة الخطورة، إلى درجة أن 70% من المصابين بها يلقون حتفهم، إذا لم يتلقوا العلاج. وحتى في حالة تلقي أفضل علاج ممكن، يقتل التهاب الدماغ الناتج عن فيروس الهربس 20% من مرضاه. أما من يبقون أحياء من هذه الحالة، فيصاب 50% منهم بتلف عصبي دائم.
العائلة الأخرى في موضوعنا هذا، هي عائلة فيروس الثآليل الجنسية، والتي تضم أكثر من مئة نوع. معظم أفراد هذه العائلة عديم الضرر، وإن كان العلماء قد تمكنوا من تصنيف ثلاثين نوعا منها، تنتقل جميعاً عن طريق الاتصال الجنسي. تلك الأنواع التي تتسبب في العدوى التناسلية، تتسبب أيضا في الإصابة بسرطان عنق الرحم بين النساء، وغيره من الأمراض السرطانية في الأعضاء التناسلية. ويتميز هذا الفيروس بصفة خبيثة، مثله مثل العديد من ميكروبات الأمراض الجنسية الأخرى، إذ أن المريض لا تظهر عليه أية أعراض. ف