من وصفة للسياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بإرهاب الدولة وما رافقها من برود في العلاقات التركية الإسرائيلية إلى تسخين العلاقات بزيارة رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" الأولى لإسرائيل هذا الأسبوع، سياسة بناء أو إحياء التحالفات الإقليمية ستنعكس بالتأكيد على القضايا الإقليمية وستؤثر على مثلث دول الجوار: العراق سوريا وإيران. لكنّ هناك دائما ما يوحي بأن المستهدف الأول من الاتفاق التركي الإسرائيلي هو إيران، لا سوريا ولا العراق، فمن الناحية العسكرية سوريا أضعف من كليهما، أما العراق فحالة مستعصية لكن يبقى الهاجس الكردي حاضرا، وعليه فالأرجح أن المستهدف دائما من التعاون التركي الإسرائيلي عدو أكبر وأصعب منالا. هذه الشروط تنطبق على إيران بدرجة كبيرة، فإسرائيل باتت تعتبرها عدوا من الدرجة الأولى ولا تخفي تخطيطها لضرب المنشآت النووية فيها كما فعلت في العراق عام 1981 لذلك فهي بحاجة إلى قاعدة انطلاق متقدمة في العمق التركي. وفي أول تصريح لرئيس الوزراء التركي في ختام لقائه مع الرئيس الإسرائيلي قال إن حيازة إيران لسلاح الدمار الشامل يمكنه أن يشكل تهديدا للمنطقة كلها.
المشهد الإقليمي ما زال غائما، لكن التحالفات العسكرية وخاصة التحالف التركي الإسرائيلي سيحرك براكين الشرق الأوسط إذ ستنشط هذه الزيارة الاتفاقية العسكرية التركية الإسرائيلية بتوقيع رئيس الوزراء التركي، على صفقة عسكرية يصل حجمها إلى نصف مليار دولار، ستتضمن قيام الصناعات العسكرية الإسرائيلية بتطوير قرابة 30 طائرة حربية من طراز "إف-4" فانتوم، تابعة لسلاح الجو التركي. ويعود الاتفاق الإسرائيلي التركي إلى نوفمبر 1995، وتحديدا في أعقاب مراسم جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "إسحاق رابين" وقمة مصغرة جمعت بين "شيمون بيريز" رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة ورئيسة الوزراء التركية السابقة "تانسو تشيلر" و"الملك حسين" وأسست هذه القمة لبداية تحالف استراتيجي جديد في المنطقة آنذاك. فبعد ستة أشهر فقط تجلت أخبار تلك القمة التي كان هدفها توقيع اتفاقية أمنية واسعة النطاق تشتمل على تبادل المعلومات الأمنية وتلتزم إسرائيل بمقتضاها بتقديم كل ما لديها من معلومات عن الجماعات المناهضة لتركيا، وبخاصة حزب العمال الكردستاني، وتقديم الصور الجوية التي تلتقطها طائرات التجسس والأقمار الاصطناعية الإسرائيلية لتحركات ومواقع وقواعد الحزب في الأراضي اللبنانية والسورية. وقد وقعت وزارة الدفاع التركية آنذاك مع مؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية عقدا بقيمة (600) مليون دولار وذلك للقيام بأعمال الصيانة والتصليح والتحسين على الأسطول التركي من طائرات إف-16 الأميركية الصنع. ولا ننسى أن تركيا تستقبل ما يقارب 300 ألف سائح إسرائيلي سنويا، وهي من أكبر شركاء إسرائيل التجاريين، حيث وصلت قيمة الواردات التركية من إسرائيل ما قيمته ثلاثة مليارات دولار من الأسلحة الإسرائيلية منذ توقيع الاتفاقية الأولى حتى الآن.
تلعب تركيا عدة أدوار في الشرق الأوسط إذ يتزامن مع الزيارة التركية لإسرائيل والأراضي المحتلة، اجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي في أسطنبول، تركيا وسوريا والعراق والأردن ومصر وإيران والكويت بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي للتأكيد على وحدة العراق واستقراره. بالنسبة لتركيا فالهاجس الكردي لم يغب ولن يغيب عن السياسة التركية خاصة مع حقيقة التقارب الكردي الأميركي، ووصول أول رئيس عراقي كردي منتخب إلى السلطة في العراق. هذا الدور إضافة إلى الدور التركي المرتقب في عملية السلام بعد أن أعطتها واشنطن وتل أبيب ضوءا أخضر للدخول في وساطة سياسية بين إسرائيل وسوريا ولبنان من ناحية والسلطة الفلسطينية من ناحية أخرى. فتسخين العلاقات التركية الإسرائيلية يخدم في الحقيقة كلا الطرفين وإسرائيل من ناحيتها ستستفيد من العلاقات العربية التركية في تحسين علاقاتها مع العالم العربي، ولا يخفى أهم الأهداف كما ذكرنا في البدء وهو محاصرة الطموحات الإيرانية.
تركيا الحالمة بالغرب لن تدير ظهرها للشرق، وصفحة العلاقات التركية الإسرائيلية الجديدة درس للدول العربية لعدم تجاهل الدور التركي في المنطقة وللتعلم من نجاحات الدبلوماسية الإسرائيلية.