اعتقد العديد منا أن دولة الإمارات جفت إبداعيا وأنها باتت خالية من الموهوبين في المجالات العلمية، حتى فجر أدريان جوتيرو نائب رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي والسيناتور دانييل جوليه رئيس جمعية الصداقة الفرنسية ـ الإماراتية بمجلس الشيوخ الفرنسي مفاجأة لم تكن في الحسبان لدولة عرف عنها كثرة تكريم المبدعين والموهوبين، عندما قاما يوم الأربعاء الماضي بتكريم المواطن الإماراتي صالح محمد المرزوقي وتسليمه ميدالية مجلس الشيوخ تقديرا لأعماله وابتكاراته في مجال الانترنت، حيث أنشأ المرزوقي موقعا هو موقع "مذهل للجرافيك"، والذي اختير كأفضل موقع في الشرق الأوسط وواحد من أفضل المواقع في العالم وفقا لمجلة ميكروسوفت.
ربما لن يكون تكريم صالح المرزوقي، الموظف بوزارة الداخلية، خارج حدود دولة الإمارات مناسبة لطرح الكثير من التساؤلات ووضع علامة استفهام كبيرة حول تكريم المبدعين الإماراتيين في دولة تشهد سنويا العديد من المؤتمرات وحفلات لتكريم المبدعين من خارجها. بل إن الأمر يتجاوز ذلك ليطرح تساؤلات عن حقيقة ما يطرحه العديد من المسؤولين بالاهتمام بالمبدعين والموهوبين الإماراتيين، ولا تخلوا تلك التساؤلات، التي تحمل اتهامات، من إشارات حول تقصير وسائل الإعلام المحلية في إبراز مثل هذه المواهب. فكيف نسمع عن تكريم موهبة إماراتية، بمواصفات عالمية، خارج حدودها وهي سنويا تكرم العديد من الموهوبين في العديد من المجالات!!.
الغريب أن المرزوقي من خريجي كليات التقنية بالدولة وبتقدير امتياز والغريب أيضا أن هناك شكوى شبه يومية من المسؤولين في الدوائر الاتحادية بالدولة من هروب الكفاءات المواطنة إلى القطاع الخاص. وتشتد الغرابة حين يغيب ابن الإمارات عن حفلات التكريم التي تنظمها العديد من المؤسسات الحكومية بالدولة لتكريم الموهوبين من مشارق الأرض ومغاربها. ويبقى السؤال: أين ابن الإمارات من مواسم التكريم هذه؟
لا شك أن المبدعين والموهوبين الإماراتيين، وهم قلة بالتأكيد استطاعوا أن يحققوا نجاحات مؤكدة عندما توفرت لهم الأسباب. ولعل قصة تفوق طلبة الإمارات، المبتعثين على نفقة مكتب البعثات التابع لمكتب رئيس الدولة في الجامعات الأميركية خير دليل على ذلك. فالمواهب الإماراتية بحاجة إلى الاحتفاء بها وبما يليق بإبداعاتها إعلاميا وماديا. وهنا لابد من تفعيل دور المؤسسات الرسمية, خاصة لرعاية مثل هذه الشريحة، لكي لا يبقى دورنا فقط هو التغني بالمبدعين خارج الدولة، ولكي لا يؤدي الأمر إلى إحباط من يمتلك الموهبة في الإمارات.
إذا كان تكريم صالح محمد المرزوقي قد نبه إلى أن ظاهرة التكريم الإبداعي "الثقافي" في دولة الإمارات لابد أن يستحوذ عليها الإماراتيون، فإنه يشير إلى الانتباه بأن لا ننتظر أن يكرم الإماراتي من الخارج قبل الداخل، حيث أننا لم نسمع عن المرزوقي في الإمارات قبل قرار فرنسا بتكريمه. فلتكن هذه المناسبة عبرة للاقتداء بها ولمراجعة الاهتمام بأبناء الدولة لأنهم هم عجلة التقدم والازدهار في الدولة. ولتكن أيضا مناسبة للانشغال في البحث عن عوامل وأسباب غياب المبدعين في دولة الإمارات ليس لتكريمهم فقط بل لخلق جيل يواجه التحديات. يبقى أن البحث عن الموهوبين مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، وحتى لا يأتي المبدع الإماراتي في آخر اهتمامات الدولة وحتى لا ينطبق علينا ما يقال "زامر الحي لا يطرب" فإنه لابد من الاهتمام بما ينتج من أعمال وبما يحقق من نجاحات فهي الثروة الفعلية للدولة.