أصدر أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي السفير عبدالله بشارة كتاباً بعنوان: "عبدالله بشارة: بين الملوك والشيوخ والسلاطين"، وهو كتاب قيم يستحق القراءة بكل المقاييس، فهو يؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ المنطقة ولإنشاء أقوى تجمع عربي إقليمي بل وربما أقدمه, مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي مضى على إنشائه أكثر من ربع قرن.
الكتاب الذي يحوي أكثر من سبعمائة صفحة يستعرض المحطات التي مر بها نشوء المجلس، والصعوبات الذاتية والموضوعية التي كانت تقف حجر عثرة أمام إنشائه، ثم يستعرض المراحل التي مر بها طيلة اثني عشر عاما على لسان وبقلم شاهد عيان قريب من الأحداث وتطوراتها.
قيمة الكتاب أنه "خروج عن المألوف" كما ذكر المؤلف في ندوة عن كتابه الأسبوع الماضي عقدت بجمعية الخريجين في الكويت، وتناولت الندوة فكرة الكتاب وما جاء فيه، وتساؤلات عن المسائل التي لم ترد في الكتاب. وكان السفير بشارة صريحاً في رده وبأنه لم يضمن الكتاب كل مشاهداته وأسرار رحلته مع مجلس التعاون الخليجي بسبب أخلاقيات المهنة التي تستلزم عدم البوح بكل ما يعرف، "فللمجالس أسرارها" و "ليس كل ما يعرف يقال".
ولعل ما يؤخذ على الكاتب هو أنه وصف كل المسؤولين الخليجيين الذين قابلهم بوصف أقرب إلى وصف الملائكة منه إلى البشر. فقد ردد الكاتب كثيرا أن الوزير الفلاني أو المسؤول في دولة كذا كان "وقورا، كريما ودودا متواضعا حاسما، جازما.. إلخ"، ولعل هذه اللغة التي اتسمت بالمبالغة بوصف المسؤولين الخليجيين تعكس تربية البيئة الدبلوماسية التي نشأ فيها السفير عبدالله بشارة. فقد أمضى عقودا كواحد من جهابذة الدبلوماسية الكويتية الذين يشار إليهم بالبنان. عمل مندوبا للكويت في الأمم المتحدة لمدة عشر سنوات ترأس خلالها مجلس الأمن في فبراير عام 1979. ويكفي الإشارة إلى قصته الشهيرة حين تسبب بطرد نظيره المندوب الدائم للولايات المتحدة – أندرو يونغ- من وظيفته بسبب جمعه للسيد يونغ ومراقب منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة آنذاك - زهدي الطرزي- في بيته على عشاء خاص عام 1981، وكانت الولايات المتحدة تمنع منعا قاطعا إقامة أي نوع من الاتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية لاعتبارها منظمة إرهابية.
الكتاب مكتوب بأسلوب جذاب يختلف عن كتب المذكرات والتراجم التقليدية، ويسجل لمرحلة مهمة من تاريخ المجلس والأحداث المتلاطمة التي مرت بها دول المجلس من الحرب العراقية- الإيرانية، وحتى بعيد احتلال الكويت حيث ترك السفير عبدالله بشارة موقعه كأمين عام للمجلس عام 1992.
والمحزن أنه على الرغم من اللغة الدبلوماسية التي اتسم بها الكتاب في وصف المسؤولين الخليجيين، إلا أن ذلك لم يشفع للكتاب "بعد" بالتداول في بعض دول المجلس. فلا تزال الرقابة تمحصه وتشرحه قبل الموافقة على إجازته، وذلك لأن الكتاب "خروج عن المألوف". فلم تعتد دول المجلس على مسؤول يكتب تجربته في العمل الرسمي من قبل، وهي مسألة مطلوبة من الكثير من أمثال السفير بشارة من الساسة المخضرمين في دول الخليج.
علق أحد الحضور في ندوة جمعية الخريجين على صورة غلاف الكتاب متسائلا عن وقوف الأمين العام العام على يمين القادة مع أن عنوان الكتاب: "عبدالله بشارة: بين الملوك والشيوخ والسلاطين"، وهل في وقوفه على يمينهم وليس "بينهم" رسالة سياسية ما، أم أنها محض صدفة لا أكثر ولا أقل؟ فكان الجواب أنها صورة لا أكثر ولا أقل ولا تحتمل أكثر من ذلك. كان السائل يقصد عدم مشاركة شعوب الخليج – بعد- في القرارات التي تهم مستقبل المجلس والدول الأعضاء وشعوبها.