في الأسبوعين المنصرمين، تسارعت التطورات الخاصة بالمستعمرات/ "المستوطنات" الإسرائيلية. فوفقا لصحيفة "هآرتس" العبرية ازداد التوتر الأميركي/ الإسرائيلي بخصوص هذه "المستوطنات" إلى درجة أن الولايات المتحدة أوقفت عملا مشتركا لوضع خرائط لـ"المستوطنات" في الضفة بعد تهرب الدولة الصهيونية من التزامات سابقة كان المدير السابق لمكتب شارون قد قدمها (لمستشارة الأمن القومي للرئيس الأميركي في حينه) كوندوليزا رايس في 14/4/2004. وقد ازداد التوتر بعد تقرير رسمي إسرائيلي فضحت فيه المحامية الإسرائيلية "تاليا ساسون" – وفقا للكاتب والمحلل الاستراتيجي "زئيف شيف"- الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ودورها المتواطئ في إقامة وتعزيز المستعمرات.
كذلك، صادقت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا على قرار إخلاء أربع مستعمرات في شمال الضفة الغربية وهي مستعمرات غنيم، قديم، سانور، وحومش، بالإضافة إلى الانسحاب من قطاع غزة وإخلاء "مستوطناته". وبهذه الخطوة تكون الحكومة الشارونية قد أعطت الضوء الأخضر للبدء في تنفيذ "خطة" الانسحاب مما اعتبره العديد من المحللين "يوما تاريخيا"، حيث إنه للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل تقرر حكومة إسرائيلية إخلاء مستعمرات/ "مستوطنات" من الأراضي الفلسطينية. وفي سياق هذه الخطة، ستنتشر قوات الاحتلال خارج القطاع بحيث ترابط إسرائيل على الحدود البرية للقطاع، مسيطرة أيضا على المجال الجوي، ومحتفظة لنفسها "بحق الدفاع عن النفس" بما في ذلك القيام بضربات استباقية وقائية! وقد اعتمد الرئيس الأميركي جورج بوش الخطة الإسرائيلية وأكد عليها برسالة الضمانات "الشهيرة" التي وجهها لشارون يوم 14 إبريل 2004! تلك الرسالة التي كان مضمونها موضع توضيح، ثم توضيح معاكس، شارك فيه كل من وزيرة الخارجية الأميركية وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل وغيرهما على امتداد أيام الأسبوع المنصرم! وكان الرئيس بوش قد اعتبر الخطة محققة لرؤيته التي أطلقها يوم 22 يونيو 2002 حول إنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمان. وقد ضمن بوش لشارون تنازلات لم يكن الأخير يحلم بها حيث "أسقط" في رسالته حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأقرّ لإسرائيل ضم الكتل الاستعمارية/ "الاستيطانية" الضخمة بالقدس ضاربا عرض الحائط، في الحالتين، القانون الدولي علاوة على قرارات الشرعية الدولية.
أما "اللجنة الرباعية" (الولايات المتحدة، الأمم المتحدة، روسيا الاتحادية، الاتحاد الأوروبي) فقد رحبت بخطة شارون وأكدت على ضرورة أن يكون الانسحاب الإسرائيلي كاملا وشاملا بطريقة تتوافق مع خريطة الطريق وكخطوة نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع في عام 1967 عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف لتحقيق هدف الدولتين. وحثت "الرباعية" كلا من إسرائيل والسلطة الفلسطينية على التنسيق لتطبيق عملية "الانسحاب". وقد أيد "اليسار الإسرائيلي" الخطة تأييدا قويا. فالاختلاف الأيديولوجي بين اليسار واليمين حول حدود الدولة الصهيونية كان دائما حاجزا بين الحزبين الرئيسين في البلاد. واعتبر اليسار أن الأيديولوجية اليمينية التي ترفض التنازل عن شبر واحد من "أرض إسرائيل الكبرى" قد تم تجاوزها بتوقيع رئيس وزراء يميني (شارون وليس غيره!) وبدعم أغلبية وزراء الليكود، معتبرا الخطوة بداية النهاية للاحتلال. وبذلك، يبدو وكأن (معسكر السلام) الإسرائيلي قد "انتصر" في الجدل التاريخي الدائر مع المعسكر اليميني المقابل وأن معارضي "المستوطنات"/ المستعمرات والسيطرة على المناطق كانوا على حق. إلا أن الخطة لن تمر بهذه السهولة حيث وقف اليمين الإسرائيلي ضدها، ولا تزال المعارضة لها تشتد يوميا، مما ينذر بعواقب وخيمة على الوضع الداخلي للدولة العبرية. فقد عارضها حزب المفدال "الوطني الديني" عندما استقال وزيران من حكومة شارون احتجاجا على الخطة فيما آثر باقي وزراء ذلك الحزب الاستمرار لإنذار شارون عند التصويت على الميزانية. وكان برز توجه داخل الحكومة يقوده بنيامين نتنياهو وزير المالية، مع وزيري التربية والخارجية، بضرورة عرض الخطة للاستفتاء الشعبي "حفاظا على وحدة الشعب والحكومة". وقد توج هذا التوجه بتصديق مركز الليكود (المتمرد ضد رئيسه) على إجراء الاستفتاء الشعبي، داعيا أعضاء الكنيست من الليكود لتشريع قانون الاستفتاء، الأمر الذي رفضه الكنيست يوم الاثنين المنصرم. وردا على ذلك، اتسمت كلمة شارون بالحدة حيث صبّ غضبه على "المتمردين" في الحزب قائلا:"في هذه الفترة المعقدة بالذات تدبر مجموعة من أعضاء الكنيست من الليكود خطوات ستؤدي إلى إسقاط الحكومة، وإذا سقطت الحكومة سنجري انتخابات في غضون وقت قصير". وكرر شارون عزمه تنفيذ القرارات التي اتخذتها الحكومة والكنيست متهما أوساطا اعتبرها "غريبة عن حزب الليكود بالسعي للسيطرة عليه".
في وقت سابق، كانت مصادر مقربة من شارون قد قالت:"إن رئيس الحكومة لم يغير رأيه وهو يعارض إجراء استفتاء شعبي على خطة الانفصال..."، وبخاصة وأن استطلاعات الرأي العام في إسرائ