معظمنا يتذكر قصة النمور الآسيوية وكيف استطاعت أن تتطور اقتصاديا وتحولت بفترة زمنية قصيرة من دول متخلفة أو نامية إلى دول متطورة اقتصاديا. تطور دول جنوب شرق آسيا أحدث قلقا لدى دول العالم المتقدم. قصة تطور دول جنوب شرق آسيا لم تدرس بعناية ولم تتمكن دول كدول النفط الخليجية أن تستفيد من التجربة الآسيوية.
ماليزيا من النمور الآسيوية التي استطاعت أن تحقق قفزة اقتصادية سريعة على يد قائدها مهاتير محمد الذي تحول إلى نموذج للقائد الذي مهما اختلفت معه، يبقى قائدا لبلاده واستطاع أن ينقل ماليزيا من حالة التخلف إلى صف الدول المتقدمة.
حرصت في زيارتي إلى ماليزيا أن التقي بمختلف التيارات الفكرية والعرقية للتعرف على وجهة نظرهم حيال التعددية العرقية وكيف استطاع مهاتير محمد أن يوحد العرقيات المختلفة نحو هدف التطور. جميعهم يختلفون في كثير من القضايا ويتفقون على الهدف. الهدف أن تتحول ماليزيا إلى دولة متقدمة، واستطاع مهاتير القائد الماليزي أن يصنع المستقبل لبلاده وأن يوحد العرقيات للوصول للهدف الذي صنعه عندما تولى الحكم وجعل من بلاده نموذجا آسيويا إسلاميا جديدا يستحق الدراسة من الدول الإسلامية.
زيارتي إلى ماليزيا كانت بهدف التعرف على تجربتها في مجال التعليم، وكيف استطاعت ماليزيا أن توفق بين الهوية الخاصة والتقنية الغربية، الزيارة كانت بتكليف من وزارة التربية الكويتية للاطلاع على التجربة الآسيوية في تطوير التعليم ومدى إمكانية الاستفادة منها.
حرصت على مقابلة القائد الماليزى مهاتير محمد للتعرف عن قرب على وجهة نظره بعد تركه للحكم، وبالرغم من انشغاله بكثير من المهام إلا أنه عندما عرف أن هدفنا التعرف على التجربة الماليزية، فما كان منه إلا أن التقى معنا في يوم إجازته.
مهاتير محمد الذي قارب الثمانين مازال يتطلع إلى مستقبل أفضل لماليزيا، ومازال على قناعة بأن الهوية الإسلامية تشكل الأساس للانطلاق نحو المستقبل. مهاتير من أشد المتمسكين بالهوية الإسلامية ولديه قناعة بأن المسلمين لا يمكنهم اختراق العالم إلا من خلال تميزهم بتمسكهم بهويتهم. وفي الوقت الذي يعبر فيه عن تمسكه بالهوية الإسلامية فهو من أشد الداعين للهوية العالمية.
يقول مهاتير محمد إن مدارس المستقبل التي يطلق عليها "المدارس الذكية" عليها مسؤولية في إعداد أجيال منفتحة تتعامل مع عالم متعدد الثقافات والأفكار. أدخل مهاتير نظام المدارس الذكية التي تقوم على فكرة أن الإنسان قادر على التعلم لو توفرت له الظروف المناسبة. فكرته بسيطة وهى بنفس الوقت ليست جديدة، فقد سبقه "بول فيرري" العالم البرازيلي بدعوته إلى التعليم الحر. مهاتير لديه إيمان كبير بقوة التعليم وقدرته على تغيير حياة البشر. المدارس الذكية بالنسبة لمهاتير تنطلق من فكرة التفكير الإبداعي، بمعنى كيف نتيح للإنسان البيئة المناسبة للإبداع.
سألت مهاتير كيف تفسر أحداث 11 سبتمبر خصوصا أن من نفذها من المسلمين. مهاتير من المؤمنين بأن الإسلام والنفط بحاجة إلى بحث معمق للتعرف على أبعاد ظاهرة الإسلام المتشدد. كان من الواضح أن مهاتير ينظر إلى الاختلاف في فهم الإسلام بيننا وبينهم. فهم يرون الإسلام كحضارة وأن انهيار هذه الحضارة كانت له مسبباته التاريخية وأن علينا كمسلمين دراسة التاريخ والتعرف على ما ارتكبناه من أخطاء في حق الإسلام.
وأنا أودع مهاتير محمد أدركت هذا التباعد بيننا في تقديم الإسلام للعالم، وعرفت كيف كان للبيئة الصحراوية دور في تخلفنا بالرغم من أننا نملك أثمن ثروة في العالم.