تحت عنوان "حان وقت الضربة الاستباقية" نشرت "وجهات نظر" يوم الاثنين 28-3-2005 مقالاً للأستاذ عبد الله رشيد يقول فيه: "فلا حوار ولا تحاور مع من يرهبنا بحمل السلاح ويهدد أرواحنا ويقتل أبناءنا". وفي تعقيبي على هذا المقال أرى أن من يقتل الناس بأعصاب باردة وتخطيط شيطاني غير مُفَرِّقٍ بين طفل وعجوز ومسلم ومسيحي ورجل وامرأة ومدني وعسكري، إنما أقل ما يقال فيه أنه همجي متوحش مُعادٍ للدين والقيم والأخلاق والإنسانية وكمن يقتل الناس جميعاً، وهو ما حرَّمَهُ القرآن.
إن ما يحدث في العالم من إرهاب أهوج منذ ضربة نيويورك وحتى اليوم، ومن مدريد إلى الدوحة، أقل ما يقال فيه أنه أكبر تعبير عن همجية الإنسان وتوحشه بحق الآخر وانفلاته من أي عقال ديني أو فكري. لا أعتقد أنه يكفي ما عرضه الأستاذ عبدالله في مقاله من ضربة استباقية، إلى تجفيف منابع الإرهاب المادية وإغلاق المدارس الدينية ومراقبة المساجد التي يتم تحت قببها المقدسة تخريج هؤلاء المنفلتين.
ما نحن بحاجة إليه ومع قليل من الشجاعة والفروسية: هو تنوير العقل العربي من خلال فتح باب الحوار الفكري الحر دون ثوابت وإطارات جوفاء. فتح باب الحوار الفكري الهادئ وعلى كل المستويات وبثقة بالنفس هو حق اجتماعي لكي نحفظ أجيالنا القادمة مما يحدث لنا اليوم ونتخلص نهائياً أو نستأصل هذا الشر من جذوره الضاربة في أعماق تراثنا. المسكنات لا تنفع، الحضارة الأوروبية الحديثة لم تُبنَ إلا على نقد الثوابت والكنيسة والتراث. الحداثة أو تحديث المجتمع ومعه العقل لا يتحقق بركوب سيارة من آخر طراز. التنوير هو مهمة المفكر العربي ولكي يحقق ذلك يجب أن يمنح الحرية في التعبير والنشر. الحرية هي أصلا عطاء طبيعي إلهي، وقهرها هو استبداد يؤدي في النهاية إلى الإرهاب. ما أقصده هو الحرية الفكرية التي تضبطها القوانين المرعية، لكن عندما تتحول هذه الضوابط إلى ثوابت ومحرمات ومقدسات فلن تحل المشكلة وسننتقل من إرهاب إلى إرهاب!.
سعيد علم الدين- برلين- ألمانيا