للسلطة لعنتها ولعبتها القاسية، كما للزمن كلمته ووقته وخط سير لا يعترف بالظروف والمفاجآت.
فما حدث أمس لم يكن أبداً فرصة اليوم، وما كان اليوم، لن يكون أبداً حاضراً وقت شروق نهار الغد، لكن البعض لا يفهم معنى أن يكون للأزمنة لعبتها الخاصة بها والتي لا يفهم قواعدها إلا الحصيف القارئ الفطن لحكايات التاريخ العظيمة والمخضبة بالدماء وربما بالماء والأوحال.
العقارب الرملية ليست رمالاً محضة، إنها تحتوي على تفاصيل مفخخة ببدايات لا تنتهي، وهذا الغرور الذي يمارسه صاحب السلطة لن يبقيه أبداً متحركاً على كرسي ليرى العالم من علٍ. رمال الساعات متحركة وخطرة وتعلن دقاتها الصامتة أن وقت الكلام ليس له مكان أو حدث أو فرصة تراجع، لربما ترك للتاريخ فرصة أن يمر عبر أبواب قراراته السامية، التي لا تسمن وتزيد الجائع جوعاً وخشية.
فالسلطة مهما كان حجمها وشكلها وطرحها لذاتها محاصرة لحقائق كونية قائمة، فلا هي تتخلص من مسؤوليتها الجسيمة التي تحملتها ظلماً وجهلاً، ولا هي اعترفت بأن التاريخ هو المسؤول الأول عن كل ما ترتكبه من فواحش أو حسنات. فالتاريخ له كلمة الفصل، وحقيقة دامغة، لا تمر عليها ألوان الطيف، أو مسارات الوهم والادعاء، أو حتى فرصة الحلم بما لا يكون وما ليس كائناً أصلاً.
المشاركون كثر، لكنه -الزمن- يلعب بمفرده بمعزل عن أي ارتباطات، أو أقاويل، أو تصرفات بشرية خاصة أو عامة، أرضية أو فضائية. وكلما قرأت حكايات السلطة السورية على لبنان حضر الزمن متأهباً ليكون هو فصل الختام، ويكون الحاضر الوحيد وسط هذه الحشود المطالبة بالرحيل أو البقاء.
دروس الزمن صعبة وشرسة، لكن جهل الإنسان بفطرته يجعله أعمى عن كل نيرانه وأنواره، فرغم أن التاريخ شاهد عيان على سلطة ماتت وولدت، وعلى حكايات موغلة في السرية فضحها التاريخ، وعلى ثوابت تحركت كالزلازل، فلا شيء لدى الزمن سري، أو صامت. ثرثار هذا التاريخ، فضائحي، ولا يعترف بالكتمان لقضاء الحاجات.
لذلك كانت السلطة مغفلة، حين لم تقرأ تاريخ الزمن، ولم تدرك ضرورة شفافية الأحداث والأقوال، ولم تدرك بعد معنى أن الديمقراطية ضرورة وليست ترفاً لا يستطيع بدوي الصحراء أن يدركه. وكان من ذكاء البعض أن فهم معطيات الأزمنة وحاول أن يلج من باب التاريخ بشكل مهيب ووقور، وكان أن قال عنه التاريخ قولاً طيباً ومقدراً لجهد مضنٍ ليحتفظ بهالة النور والتقدير.
من يفهم التاريخ؟... من سيقرأ مفردات غاية في الوضوح والإشهار؟. لماذا يصر أهل السلطة على الاختباء وإصدار حكايات مخجلة لا تعرف فضل الإنسان وحقيقة حريته؟
كلما صادرت السلطة حريات البشر وحقهم في الحياة بشرف محض، تدخّل الزمن وقال كلمته، وتنحت السلطة لتحيا في ظلام النسيان المتآمر على عنتها وغرورها.
فالزمن لا يعطي شرف احتفاظه بأحد ما لم يكن شريفاً، وإن كان غير ذلك، لقال لعبته وانتهى أمر السلطة الفاحشة الظلم والظلام.
لكن من يقرأ التاريخ؟ الحكيم وحده من يفعل.
هل من حكماء في لعبة الزمن ما زالوا أحياء بيننا؟!... ربما.