على الرغم من أنه تقرر استئناف المحادثات الدولية الخاصة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية خلال شهر مايو المقبل، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من القوى النووية الأخرى، لا تبدي أدنى اهتمام بمصير هذه المعاهدة. وفي هذا التجاهل ما يثير الاهتمام، خاصة حين نضع في الاعتبار أن دولاً مثل إيران وكوريا الشمالية، إما أنها تحصلت بالفعل على الأسلحة النووية، أو أنها تسعى لتطوير البرامج الخاصة بهذه الأسلحة. وبهذه المناسبة فقد حذر تقرير صدر مؤخراً عن الأمم المتحدة مما يلي: "إننا نقترب من وقت يتضاءل فيه نظام حظر انتشار الأسلحة النووية، وربما يستحيل تغيير هذا المنحى، مما ينتج عنه تفشي انتشار الأسلحة النووية". هذا وتلتقي مجموعة من الدول الوسيطة حول هدف بسيط ومحدد يتمثل في "بذل الجهود في حث القوى النووية، على اتخاذ الحد الأدنى من الخطوات الكفيلة بإنقاذ معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في العام الجاري 2005". وفي العام الماضي كان تحالف من الدول النووية - بما فيها البرازيل، مصر، أيرلندا، المكسيك، نيوزيلندا، جنوب إفريقيا، إلى جانب ثماني دول أخرى من الدول الأعضاء في حلف "الناتو"- قد صوت لصالح تبني أجندة حل جديد للمشكلة، وذلك عبر المطالبة بتطبيق التزامات معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية المقرة سلفاً. لكن ومن المؤسف حقاً أن دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، صوتت ضد ذلك القرار.
وحتى هذه اللحظة، أخفقت اللجنة التحضيرية لاستئناف محادثات معاهدة حظر الأسلحة النووية، حتى في تحضير أجندة لهذه المحادثات، بسبب الانقسامات الحادة في صفوف القوى النووية التي ترفض تنفيذ التزاماتها النووية وتنشيط الحركة اللانووية داخلها، بما فيها المطالب الخاصة باحترام تلك التعهدات والالتزامات، إلى جانب النظر في أمر ترسانة السلاح النووي الإسرائيلي. وحتى وقت قريب، عمد كافة الرؤساء الأميركيين، منذ عهد الرئيس "إيزنهاور"، إلى تحديد وخفض الترسانة النووية الأميركية. بل إن بعضهم كان أكثر تقيداً وحرصاً من غيره على هذا الالتزام. لكن وعلى حد علمي حتى هذه اللحظة، فإنه ليست هناك أي من القوى النووية الكبرى، تعتزم تنفيذ هذه الالتزامات النووية بالغة الأهمية. ومن أسف أن الولايات المتحدة، تعد اليوم الشريك الأكبر في انحسار الالتزام الدولي بنصوص معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وفي الوقت الذي تدعي فيه الولايات المتحدة حمايتها للأمن الدولي من مخاطر انتشار الأسلحة النووية، في كل من العراق وليبيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرها، لا يكتفي قادتها بمجرد رفض الالتزام بالقيود التي تفرضها نصوص معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فحسب، وإنما يتبنون خططاًَ وبرامج لتطوير ترسانات جديدة ومتنوعة من هذه الأسلحة، منها على سبيل المثال، الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، والقنابل المخترقة للتحصينات الأرضية، إلى جانب تطوير عدد من القنابل الذكية الأخرى الأصغر حجماً. كما تنصلت أميركا من كافة الالتزامات النووية السابقة، وها هي تهدد اليوم باللجوء إلى استخدام السلاح النووي كخيار أول، ضد دول غير نووية.
ولما كان الحال كذلك، فإن هناك عدة خطوات تصحيحية بديهية لهذه المواقف الخاطئة، نوجزها كما يلي.
أولاً: ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية التصدي للقضايا النووية المتبقية مع روسيا، ومطالبة هذه الأخيرة بالالتزام بمعايير الشفافية والتحقق من مدى التزامها بتطبيق اتفاقيات التحكم في السلاح النووي السابقة، إلى جانب التخلص من الأسلحة غير المصرح بها. وفي ظل وجود هذه الترسانة الضخمة من الأسلحة النووية القابلة للانطلاق في أية لحظة، فإن خطر الدمار العالمي لا يزال قائماً بالجدية ذاتها التي كان عليها من قبل، سواء كان ذلك نتيجة لمجرد الخطأ، أم نشأ عن سوء إدارة وتصرف في هذه الأسلحة، مثلما كان عليه الخطر ذاته، طوال سنوات الحرب الباردة. ولهذا فإنه لا يزال في وسعنا التصدي لخطر انتشار الأسلحة النووية، عن طريق العمل من أجل تأمين ترسانة الأسلحة النووية الروسية.
ثانياً: لما كان يتعين على كافة الدول النووية الاتفاق فيما بينها على عدم اللجوء لاستخدام الأسلحة النووية إلا كخيار اضطراري أخير، فإن من واجب الولايات المتحدة الأميركية - باعتبارها الدولة العظمى- أن تتصدر الدول الأخرى في الإقرار بهذا والالتزام به.
ثالثاً: على حلف "الناتو" أن يعيد تأكيد دور أسلحته النووية، مع إعادة النظر في أسلحته النووية المنتشرة حالياً في أوروبا. ومع أن حلف "الناتو" قد جرى توسيعه شرقاً في القارة الأوروبية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بالترسانة النووية ذاتها، التي كانت لديه أيام الستار الحديدي، الذي كان يشطر القارة الأوروبية إلى نصفين.
رابعاً: على رغم وجوب احترام معاهدة الحظر الشامل للاختبارات النووية، إلا أن الملاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية تسير في الاتجاه النقيض. فقد أشارت الميزانية الأميركية للعام الحالي 2005 - لأول مرة-