تحاول إدارة بوش جاهدة الحيلولة دون ظهور القصة الكاملة. ولكن لم يعد هناك أدنى شك، في أن السجناء الذين تم القبض عليهم من قبل القوات الأميركية في العراق وأفغانستان وغيرهما، قد قتلوا، أو عذبوا، أو أُذِلوا جنسيا، أو أسيئت معاملتهم بطرق شاذة.
وهذه الانتهاكات الفظيعة تمت في مناخ كان مسؤولو إدارة بوش يتصرفون فيه دائما وكأنهم فوق القانون، وبالتالي غير مسؤولين أمام أي أحد. وهكذا كان يتم تطويق الأشخاص، ونزع ملابسهم، وتقييدهم، وضربهم، وسجنهم وفي بعض الحالات قتلهم، دون أن تتوافر لهم أدنى ضمانات العدالة: فلا تهمة، ولا وجود لمحامين ولا استئناف.
"أركان محمد علي" عراقي يبلغ من العمر 26 عاما، تم احتجازه لما يقارب العام في أماكن مختلفة منها سجن "أبوغريب" سيئ الصيت. ووفقا لما ورد في أوراق القضية المرفوعة على وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد"، فإن السيد "أركان" كان في بعض الأوقات يُضرب حتى يغيب عن الوعي خلال استجوابه، كما تم طعنه، وصعقه بالتيار الكهربائي، والتبول عليه، وتغطيه رأسه ووجهه بغطاء، وتعرية باقي جسمه، والإبقاء عليه هكذا في صندوق خشبي يشبه الكفن. وقال السيد "أركان" إن آسريه قد قالوا له إن الجنود يمكن أن يقتلوا أي معتقلين دون أن ينالهم أي عقاب.
"لم تكن تلك مباهاة فارغة. فمنذ عدة أيام على سبيل المثال أفادت صحيفة نيويورك تايمز، أن الجيش الأميركي لن يحاكم الجنود السبعة عشر الذين تورطوا في مصرع ثلاث سجناء في العراق وأفغانستان".
ورواية السيد "أركان" الباعثة على الاكتئاب تتشابه مع الروايات الأخرى التي تنهمر من أفواه المعتقلين، وجماعات حقوق الإنسان، ومصادر الاستخبارات ومحققي الحكومة الأميركية ذاتها. وإذا ما ألقى المرء نظرة مقربة على ما هو معروف عن المعاملة السادية والبربرية للسجناء من قبل جنود الولايات المتحدة، فإنه قد يتساءل عما إذا كان هناك فرق كبير بين تلك المعاملة وبين ما كان يحدث في القرون الوسطى. ففي القرون الوسطى كان يتم جر الهراطقة المزعومين إلى محاكم التفتيش، دون أن يسمح لهم بمواجهة متهميهم أو الدفاع عن أنفسهم. لم تكن البراءة واردة، وكان التعذيب هو الوسيلة المفضلة لانتزاع الاعترافات.
لم يتم توجيه تهمة من أي نوع للسيد "أركان" وتم الإفراج عنه في النهاية. ولكن الشيء الذي يجب أن يهم الأميركيين أكثر من غيره، هو ذاك الانحدار العميق والمخيف إلى تلك المنطقة الجهنمية من مناطق الخروج على القانون، التي تحاول إدارة بوش إخفاءها من ناحية، وتحاول من ناحية أخرى الدفاع عنها باعتبارها ضرورة لازمة في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب.
وقضية السيد "أركان" ضد "دونالد رامسفيلد" تم رفعها من قبل "اتحاد الحريات المدنية الأميركي" ومجموعة "حقوق الإنسان أولا" التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، بالنيابة عن أركان وسبعة معتقلين آخرين من العراق وأفغانستان يدعون أنهم قد عذبوا من قبل جنود الولايات المتحدة.
والتهم الواردة في عريضة الدعوى تشير إلى أن "رامسفيلد" بنفسه قد أعطى تفويضا باتباع وسائل غير قانونية في الاستجوابات، وأنه قد تخلى عن مسؤوليته في إيقاف التعذيب وغيره من أنواع الانتهاكات الأخرى التي كانت تمارس بحق السجناء في سجون الولايات المتحدة. وتدعي تلك العريضة أيضا أن إساءة معاملة المساجين كانت ممارسة واسعة النطاق، وأن "رامسفيلد" وغيره من كبار المسؤولين في الإدارة كانوا على علم بها.
وطبقا لما جاء في أوراق الدعوى، فإنه ليس من المنطقي أن يصدق أحد أن "رامسفيلد" كان يمكن أن يظل على غير علم بشأن وقائع سوء المعاملة المنتشرة في السجون التابعة للولايات المتحدة. وتستشهد العريضة بذلك العدد الكبير من الأدلة الموجودة في متناول وزير الدفاع بما في ذلك تلك المتعلقة بالوقائع الفاضحة التي تكشفت، في سجن "أبوغريب"، والتقارير المتعلقة بإساءة معاملة المعتقلين في خليج "جوانتانامو"، وذلك العدد الهائل من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات بصدد تلك الوقائع، والتقارير الداخلية للحكومة الأميركية، والهموم التي عبرت عنها المنظمات المشهورة مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
من المشكوك فيه أن تؤدي تلك العريضة في النهاية إلى اعتبار "رامسفيلد" مسؤولا بصفة شخصية عن تلك الانتهاكات. ولكن إذا ما تمت مناقشتها بالكامل في قاعات المحاكم، فإنها ستساهم في كشف النقاب مرة أخرى عن الممارسات المقززة التي قام بها الجنود الأميركيون والتي ساهمت في تلطيخ صورة الولايات المتحدة في عيون العالم.
والهدف الأولي للقضية المرفوعة هو ببساطة شديدة إعادة تأسيس حكم القانون. أو على حد تعبير "مايكل بوسنر" المدير التنفيذي لمجموعة"حقوق الإنسان أولا": إنها تلك الفكرة الأساسية التي تقول إنه ليس هناك من هو فوق القانون. وفي حالتنا هذه فإن الانتهاكات قد حدثت جراء سياسات قامت بشكل متعمد بتقويض حكم القانون، وهو ما نحتاج إلى التصدي له.
إن الخروج على القانون لا يجب بأي حال من الأحوال أن يكون خيارا أميركيا. فعندما يخت