ربما كان الكثيرون، وهم على حق، يتمنون لو أن النظام العراقي السابق لجأ إلى تغيير العلم العراقي شكلاً ومضموناً، وليس إلى إجراء بعض الإضافات عليه، بل يدرك الكثيرون أن إجراء تلك الإضافات مثل خطوة خبيثة وماكرة لاستخدام الدين والمثل العليا كدرع فعال لتخليد الشخصية، كما يشير في الوقت نفسه إلى الآثار الخطيرة التي يفرزها استخدام الدين ورموزه كأوراق في اللعبة السياسية في مجتمعاتنا المحافظة. إن هذا يظهر جلياً في ما يمكن تسميته بـ(مأزق العلم العراقي) لأقطاب الحكم الجديد حيث تنطلق القيادات الكردية مستندة إلى حماس الشارع الكردي في مشاعره القومية إلى الدعوة لتغيير العلم العراقي فتعلن صراحة عدم اعترافها به، وتمنع اعتماده كعلم وطني في إقليم كردستان، بينما تعتقد القيادات العراقية الأخرى التي أفرزتها موجة المشاعر الدينية أن مجاراة المياه الكردية واعتماد علم آخر يكون بديلا لعلم يحتوي على لفظ الجلالة يمثل انتحاراً سياسياً أو مخاطرة غير مأمونة العواقب على أقل تقدير.
إن إظهار قدر عالٍ من الحكمة السياسية يمثل مسؤولية وطنية ينبغي على مختلف القيادات العراقية التحلي بها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الرموز الوطنية وعدم إعطاء الفرصة لروح التعصب الأعمى في أن تفعل فعلها وتكون مشكلة العلم هي القشة التي ستقصم بالتمام ظهر البعير الذي أصبح يسير أساسا بالعكازات. الإصرار على تغيير هذه الرموز يترك المجال رحباً لكي يهيأ المواطن نفسه لسماع ورؤية أناشيد وأعلام مختلفة في بلد كان ولازال يشكو من عدم الاستقرار السياسي، والذي يبدو أنه سيستمر لمرحلة قادمة بعد أن تأكد الجميع أن نظرية (جئنا لنبقى) لم تثبت صحتها.
من يدري، ربما يدخل تغيير العلم والنشيد الوطني أيضا كشروط مطلوبة لتقبل رياح (الديمقراطية الأميركية)، وهي تجتاح المنطقة في مشروع الشرق الأوسط الكبير.
د. وديع بتي حنا - عراقي مقيم في السويد