ما هي السياسة الأميركية إزاء توسيع المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية؟ تتلخص الإجابة المباشرة على هذا السؤال، في أن هذه السياسات ظلت مبهمة وغير واضحة دائما، وقد قصد لها أن تظل كذلك دون أدنى شك. وعلى الرغم من بعض إشارات عدم الموافقة والرضا التي تصدر عن واشنطن بين الفينة والأخرى، فيما يتصل بتلك السياسات الإسرائيلية التوسعية، إلا أن الواقع هو أن واشنطن قد فشلت – ولا تزال- في أن تمارس ضغوطاً ورقابة على سياسة التوسع الإسرائيلي، التي لا تكل ولا تمل، على حساب الأراضي الفلسطينية. ووفقاً لمعلومات جيفري أرونسون – من "منظمة سلام الشرق الأوسط" وهي منظمة سلمية ناشطة في مجال الرقابة على التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وحفز عملية السلام الشرق أوسطي- فقد ازداد عدد المستوطنين الإسرائيليين خلال العام المنصرم 2004، بحوالي ستة في المئة، وهي زيادة تقدر بالأرقام بما يصل إلى نحو 250.179 ألف نسمة، مع ملاحظة أن هذه الزيادة لا تشمل 180 ألف مستوطن يسكنون في شرقي القدس. كما رصدت المنظمة ذاتها، أعمال الإنشاء الجارية حالياً لبناء مستوطنات يهودية جديدة، تسع نحو 4000 يهودي آخرين.
وفي الحادي والعشرين من شهر مارس الجاري، أعلنت حكومة شارون عن عزمها استصدار إذن بتشييد وحدات سكنية جديدة تسع لـ3500 مواطن يهودي في مستوطنات "معالي أدوميم" التي تعد أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إذ تكفي سعتها لإسكان ما يقارب الـ 30 ألف يهودي في المنطقة الواقعة على بعد 10 كيلومترات شرقي القدس. كما لا تضرب حكومة شارون أية سرية حول نواياها الرامية إلى ربط مستوطنات "معالي أدوميم" بالأحياء السكنية اليهودية الأخرى في منطقة شرقي القدس وحماية هذا التوسع الجديد بواسطة "الجدار الأمني" الذي يجري تشييده الآن. هذا ويتوقع أن تسفر الخطة هذه، عن ثلاثة عواقب أو تداعيات، أولاها أنها ستستكمل وتعزز سيطرة إسرائيل التامة على منطقة "القدس الكبرى"، وثانيتهما عزل مدينة القدس تماماً عن الضفة الغربية، مما يترتب عليه استبعاد أي احتمال لإعلان القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. غير أن أهم هذه العواقب وأخطرها، أنه وبتقطيع أوصال الضفة الغربية على هذا النحو، تكون إسرائيل قد سددت طعنة نجلاء إلى وحدة الأراضي الفلسطينية، التي يتوقع لها أن تقوم فوقها الدولة الفلسطينية المرتقبة.
كما تمثل هذه الخطة، انتهاكاً صارخاً لـ "خريطة الطريق" الخاصة بالسلام الإسرائيلي- الفلسطيني، علماً بأنها الخطة التي بلورتها الرباعية الدولية، بمشاركة كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. كما تتناقض الخطة نفسها والإعلانات المتكررة من جانب الرئيس بوش، فيما يتصل بمساندته لحل سلمي للنزاع، يقوم على الإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة، تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. كما تشكل خطة شارون هذه، تهديداً مباشراً لجدوى المبادرات الراهنة التي ينهض بها محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ومساعيه الرامية إلى إقناع المقاتلين الفلسطينيين بوضع حد للانتفاضة المسلحة، واللجوء بدلاً من ذلك، إلى الوسائل السلمية من أجل تحقيق الاستقلال الفلسطيني المنشود. وهذا دون شك، هو أخطر ما يترتب على خطة حكومة شارون المذكورة آنفاً. وما لم يحرز تقدم مستمر على طريق الحل السلمي للنزاع، وما لم يلح أفق سياسي واضح لحل كهذا في أنظار الفلسطينيين، فمما لا ريب فيه أن جهود محمود عباس هذه، سيكون مصيرها الخيبة والفشل الذريع. وهذا لا يعني شيئاً آخر سوى العودة إلى دائرة العنف الشريرة مجدداً، حيث تندلع العمليات الانتحارية وتنفجر القنابل البشرية، وحيث يعاود العنف الإسرائيلي المضاد، كرته القاسية التي لا ترحم ولا تلين.
يذكر أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، كانت قد انتقدت خلال لقاء لها مع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الصادرة يوم الخميس الماضي، خطة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، واصفة إياها بأنها تتنافى والسياسات الأميركية الخاصة بحل النزاع. وقد فسر ذلك التصريح على أنه إنذار أميركي لإسرائيل بألا تستجيب لضغوط المستوطنين المتطرفين، التي من شأنها أن تحبط عملية السلام الجارية الآن. لكن وبعد يوم واحد فحسب من صدور ذلك التصريح، قال دانييل كيرتزر، السفير الأميركي لدى إسرائيل في تصريح آخر، "إن السياسة الأميركية ليست سوى الدعم الذي منحه الرئيس بوش لاحتفاظ إسرائيل بالمناطق السكنية الرئيسية لمواطنيها في أراضي الضفة الغربية، عبر وسائل التفاوض والحوار". وبالطبع فإن تناقضاً بهذا الحجم في السياسات الأميركية إزاء إسرائيل، إنما يعطي شارون حرية واسعة للمناورة، وهي الحرية التي يستغلها شارون سلفاً، أتم ما يكون الاستغلال. وفي الوقت الراهن، فإنه منشغل بالصراع مع معارضيه الدينيين واليمينيين الذين يعترضون على خطة إخلاء نحو 8000 يهودي من 17 مستوطنة من المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، وأربع مستوطنات أخرى في أراضي الضفة الغربية. ومن المتوقع أن