في حين استحوذت تحديات العراق وأزمة نشر الأسلحة النووية ومشروع الإصلاح السياسي في العالم العربي على الاهتمام، وسيطرت على كافة الحوارات الشرق أوسطية خلال العامين الماضيين، فإن الأهمية الخاصة بالمنطقة باعتبارها مورداًَ أساسياً للطاقة قد ازدادت هي الأخرى خلال الفترة نفسها، وعلى الأرجح أنها ستزداد أهمية خلال المستقبل القريب المنظور. وفي الإمكان التمييز بين ثلاثة اتجاهات واضحة للطاقة عالمياً. أول هذه الاتجاهات أن منطقة الشرق الأوسط تعد أهم وأول مورد للاحتياطات النفطية على المستوى العالمي، فضلاً عن كونها تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث احتياطات الغاز الطبيعي. الاتجاه الثاني هو توفر ما يكفي من الأدلة على تراجع وانحسار إنتاج النفط والغاز الطبيعي في الدول الرئيسية المستهلكة لكلا النوعين من الطاقة. ويتمثل ثالث الاتجاهات في ارتفاع الطلب عالمياًَ على الطاقة الحفرية، سواء كان ذلك في الولايات المتحدة وأوروبا، أم كان في الأسواق الآسيوية، سيما في الصين والهند.
وبالنظر إلى هذه العوامل والاتجاهات الثلاثة مجتمعة، فإن الشكوك السياسية التي تثور اليوم حول المستقبل السياسي لمنطقة الشرق الأوسط، تكتسب أهمية خاصة في الإطار العام الجيوسياسي الدولي. وفي حال تراجع حالة الكساد الاقتصادي الدولي، أو حدوث تغيرات كبيرة في العادات الاستهلاكية في الدول الصناعية، فإن المتوقع أن يواصل ارتفاع الطلب على منتجات الطاقة الحفرية اتجاهه الحالي، بل أن يشهد معدلات ارتفاع أكبر، خلال العقدين المقبلين. وبنهاية العام الجاري 2005، فإن المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة النفطية إلى 84 مليون برميل يومياً. كما يتوقع له أن يرتفع إلى نحو 121 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025. ووفقاً لتكهنات "معلومات إدارة الطاقة الأميركية" فإن المتوقع أن تظل منطقة الشرق الأوسط المصدر الرئيسي للنفط والغاز الطبيعي خلال الفترة المذكورة، لكونها ستصدر ما يتراوح بين نصف وثلثي حجم الاستهلاك العالمي من هذين النوعين من الطاقة. هذا ويقدر طلب الاتحاد الأوروبي على الطاقة في الوقت الراهن، بنحو 18 في المئة، قياساً إلى حجم الطلب الأميركي المقدر بنحو 24 في المئة من إجمالي الطلب العالمي. إلى ذلك تستهلك الصين نحو 12 في المئة حالياً، في حين يتوقع لهذا الاستهلاك أن يتضاعف بحلول عام 2025، فيما لو واصل الناتج الإجمالي القومي معدلات ارتفاعه الحالية.
وخلال المدة ذاتها، فإنه ليس من المرجح مطلقاً أن تجري أية اكتشافات لموارد وحقول جديدة للنفط والغاز الطبيعي، ذات أثر يذكر خارج منطقة الشرق الأوسط. وفي حين يؤدي ارتفاع أسعار النفط الراهن، إلى زيادة ربحية عمليات التنقيب والاستكشاف النفطي في المناطق الأكثر بعداً في العالم، علاوة على احتمال توفر كميات مقدرة من النفط في قيعان المحيطات والبحار والصخور القارية، إلا أن تكلفة التنقيب والإنتاج في مثل هذه المواقع، غالباً ما تكون باهظة جداً، إلى جانب طول الوقت الذي تستغرقه مرحلة الإنتاج الفعلي.
وعليه فإن الأرجح أن تلعب كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية، دوراًَ مقدراً في ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، سعياًَ من هذه الدول لضمان تدفق الإمدادات النفطية بأسعار مناسبة لسوق الاستهلاك. وما لم تتفق هذه الدول مجتمعة على أجندة عمل شرق أوسطية مشتركة فيما بينها، فإن هناك عدداً من القضايا ونقاط الخلاف بينها، كفيلة بأن تتحول إلى قضايا نزاعية وخلافية كبيرة جداً. ولنضرب لذلك مثلاً بالأزمة النووية الإيرانية. فبصرف النظر عن الطريقة أو الزاوية التي تنظر من خلالها الدول المختلفة إلى إيران، فإنه مما لا شك فيه أن إيران تعد مورداً دوليا رئيسياً للنفط والغاز الطبيعي، لكونها تحتل المرتبة الثانية عالمياً في نوعي الطاقة المذكورين. ولذلك فإنه ليس من المغالاة في شيء، القول بأن الطريقة التي ستبلور بها مختلف الدول الأطراف في حل الأزمة النووية الإيرانية سياساتها المشتركة الخاصة بحل هذه الأزمة، ستحدد بدرجة كبيرة، مدى جدية وعزم الدول المذكورة على ضمان استقرار موارد الطاقة وتدفقها للأسواق العالمية.