وولفوفيتز: اختراع التهديدات... هل مجاله البنك الدولي؟!


 قوبل اقتراح الولايات المتحدة بتسمية بول وولفوفتيز، مساعد وزير الدفاع الأميركي الحالي، مرشحا لرئاسة البنك الدولي، باستياء وغضب في أوروبا وفي عدد من بلدان الجنوب وفي الولايات المتحدة ذاتها أيضا! فإثر اعلان الرئيس الأميركي جورج بوش في السادس عشر من الشهر الجاري عن اختيار وولفوفتيز لتولي رئاسة البنك، برزت موجة من الانتقادات التي اعتبر بعضها ذلك الإجراء مقدمة لـ"نشر فلسفة المحافظين الجدد"، بينما رأى فيه بعض آخر "عسكرة للبنك الدولي"، في حين ذهب بعض ثالث إلى أنه يترجم "تكريسا لمصالح الإدارة الأميركية في الهيمنة على سياسية البنك الدولي"، فهل ستنجح محاولة واشنطن في فرض بول وولفوفيتز رئيسا للبنك الدولي؟ وما هي مؤهلاته لذلك المنصب؟.


بإعلان بوش اسم وولفوفيتز كمرشح أميركي لتولي رئاسة البنك الدولي، أظهر مراهنته على أن أوروبا التي هي أكبر مانح للبنك، لن تعترض على مرشحه؛ لأن ثمن ذلك قد يكون التضامن بين طرفي حلف الأطلسي. ورغم مخاوف الاتحاد الأوروبي إزاء اختيار وولفوفويتز، فقد وجه له دعوة للتحدث أمام 25 وزيرا في الاتحاد خلال الأيام القادمة، إضافة إلى أن دولا أوروبية رئيسية مثل بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، قد أعطت إشارات صريحة أو ضمنية بموافقتها على ترشيح وولفوفيتز. ولتعيين رئيس للبنك الدولي لابد من التوافق بأغلبية مطلقة بين الأعضاء الـ24 في مجلس إدارته، لكن ذلك الرئيس يجب أن يكون أميركيا، بينما يتولى أوروبي رئاسة صندوق النقد الدولي، بمقتضى اتفاق تم التوصل إليه قبل 60 عاما! ولم يسبق للأوروبيين أن أفلحوا في ثني واشنطن عن مرشحها لرئاسة البنك الدولي؛ ففي عام 1968 ترأسه روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأميركي الشهير خلال حرب فيتنام، ثم ترأسه في ولاية ثانية حتى عام 1981.


وقيل فيما بعد إن الوظيفة غيرت ماكنمارا نحو شخصية أخرى؛ والحقيقة أنه بالغ في سياسة المحاسبة والعقاب التي انتهجها بشكل أرهق موظفي البنك، كما أسرف في عمليات الإقراض التي أغرقت الدول النامية في ديون بمليارات الدولارات، وساعدت في تعزيز الأنظمة الدكتاتورية في هذه الدول!. أما وولفوفيتز الذي يُتوقع أن يخلف مواطنه جيمس وولفينسون المنتهية ولايته الثانية في رئاسة البنك نهاية مايو القادم، فأعلن أنه ليس "رجل واشنطن" في هذا المنصب، وأنه لن يسعى إلى اتّباع أية أجندة سياسية، ووعد بالعمل على بناء تفاهم دولي لمكافحة الفقر. لكن بعض البلدان والمنظمات غير الحكومية لم تأخذ تصريحات وولفوفيتز تلك بجدية معتبرة؛ فهو قيادي بارز في تيار "المحافظين الجدد" داخل الإدارة الأميركية، ويعد مهندس السياسة الأحادية للحرب على العراق، وقد أوصى مبكرا بتغيير النظام العراقي، واعتبر في مقال له تحت عنوان "إسقاط صدام"، ("اوتاوا سيتزين"، بتاريخ 25/11/ 1998)، أن "طاغية بغداد" يمثل تهديدا لإمدادات البترول ولأمن إسرائيل خاصة.


ويقيم وولفوفيتز علاقة قوية مع الدولة العبرية ويعد أحد مؤيديها الأشداء في الإدارة الجمهورية الحالية، فهو مولود لأب بولندي يهودي مهاجر في نيويورك عام 1943، وانتقل مع عائلته إلى فلسطين المحتلة عام 1957 قبل أن يعود إلى أميركا حيث تخرج من جامعة كورنيل بشهادة عليا في الرياضيات والكيمياء، ثم تحول إلى دراسة السياسة وعلوم الاقتصاد في جامعة شيكاغو التي حصل منها على الماجستير والدكتوراه.


 ومارس وولفوفيتز التدريس في جامعتي ييل وجون هوبكنز في الفترة بين 1971 و1978 حيث بدأ العمل في وكالة مراقبة الأسلحة ونزع السلاح خلال مفاوضات منع انتشار التسلح النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، ثم التحق بوزارة الدفاع (البنتاغون) مسؤولا عن البرامج الإقليمية حتى عام 1980، قبل انتقاله إلى وزارة الخارجية التي تقلد فيها مدير إدارة التوقعات وتحديد الأهداف المستقبلية، ثم أصبح مساعد وزير الخارجية لشؤون الباسفيك وشرق آسيا، فسفيرا لبلاده في إندونيسيا بداية من عام 1986، وعند اندلاع حرب الخليج الثانية (عام 1990) كان نائبا لوزير الدفاع حينئذ ديك تشيني.


 وهكذا فخلال 30 عاما اشترك وولفوفيتز في كل المكاتب المدنية للبنتاغون، إضافة إلى موقعه المميز في المجال العام الأميركي بين الحقل السياسي والحقل الجامعي، حيث اتخذ لنفسه تخصصا هو اختراع نظرية التدخلات الوقائية، لتبرير مغامرات جديدة. وقد نقل عنه القول "إن أهم درس تعلمته من السياسة الخارجية الأميركية، هو أهمية الزعامة وإدراكي بأنها لا تأخذ بالمحاضرات أو التعبير عن المواقف والمطالب، وإنما يتم تكريسها بالبرهنة للأعداء أنهم سيسحقون ويهزمون، ولأولئك الذين يرفضون السياسة الأميركية أنهم سيندمون على ذلك، وللأصدقاء أنهم سيكونون محل عناية".


فهل تتحمل مسؤولية رئاسة البنك الدولي، مواقف كهذه مغرقة في إيمانها بالقوة؟ يعتبر البنك الدول